الأولى:
أن تكتب رسالة إلى سنان بن سليمان صاحب الحشيشة بالشام، ورئيس الإسماعيلية، يوصف بها ما حل بالدولة الفاطمية، ويبين فيها ما بين المذهب الإسماعيلي والمذهب الفاطمي من الصلة والقرابة، وأن نصر الفاطمية إنما هو نصر للإسماعيلية، ثم يلح عليه في ندب أحد الفدائيين من الإسماعيلية لقتل صلاح الدين.
الثانية:
أن تكتب رسائل إلى قواد الإفرنج بالشام وصقلية يدعون فيها إلى القاهرة للاستعانة بهم على صلاح الدين، فإذا جاءوا وخرج صلاح الدين لقتالهم أقام المصريون بالقاهرة ثورة؛ فتقسمت قوة صلاح الدين بين الإفرنج والثوار، والخارجين عليه من جنده وقواده.
ولما هم القوم بكتابة الرسائل، قال زين الدين: من الخير أن نرجئ الكتابة حتى نروي فيها، وحتى تكون قوية مؤثرة.
بعد ذلك قامت سيدة القصور، وكانت الشمس قد علت في الأفق، فالتفت بثيابها المستعارة وقالت: الآن أعود إلى محبسي الذي سأخرج منه إلى قبري، أو إلى قصري!!
ذهب الحراني إلى داره فأقام بها نهاره، حتى إذا أظلم الليل قام ولبس ثيابه، وخرج متجها إلى دار القاضي الفاضل، وكان يتمتم وهو يتعثر في الظلام قائلا: اليوم أشفي غيظ نفسي منك يا ابن زيدان ... اليوم أنتقم لابني، وأبي اللذين قتلهما عمك ظلما وعسفا ... لقد كتمت هذا الغل في صدري عشرين عاما، فاليوم يجد صدري متنفسا ... لقد كنت أنتهز كل فرصة فتطير من يدي، أما اليوم فلن تطير أبدا!!
ولما بلغ الدار، قابل القاضي الفاضل، وقص عليه خبر المؤامرة، وأسماء المتآمرين، فأخذه القاضي من يده وذهبا إلى قصر صلاح الدين، فلما سمع الخبر الخطير، أمر كبير حراسه أن يرسل جماعة للقبض على كل متآمر أينما كان، ولم تتم ساعتان حتى قبض عليهم، وأودعوا خرانة البنود، وكانت سجن الفاطميين.
دخل عمارة السجن مستريح النفس ثابت القلب، يخالجه شعور بالطمأنينة، وإحساس بأنه أدى واجب الوفاء كاملا للفاطميين، ولسيدة القصور.
ونام ليلته هادئ البال، حتى إذا تنفس الصبح دخل عليه الحراني، وجماعة من الجنود، فلما رآه عمارة قال له: أهكذا تشترى الدنيا، وتباع الآخرة بالنفاق والختل يا زين الدين؟ - لست زين الدين ... أنا أبو كاظم الحراني الذي باع حياته للشيطان لينتقم منك ومن عمك ... اليوم يزول همي، وتطمئن نفسي، حين أراك مصلوبا بين القصرين.
Halaman tidak diketahui