ودقت ساعة الكنيسة مرتين.
فصاح ذو الوجه الملائكي: «إلى الخارج جميعا». وقال ل «ماسكواتا» وهو يخرج ومسدسه في يده: «سوف أعود مع غنيمتي». وصاح فاسكيز آمرا وهو يصعد كالعظاءة إلى إحدى نوافذ منزل الجنرال يتبعه اثنان من عصابته: هيا إلى العمل، وممنوع الهذر، أسامعون؟
وكذلك سمع من في المنزل دقتي الساعة. - هل أنت جاهزة يا كميلة؟ - أجل يا والدي العزيز؟
كان كاناليس يرتدي بنطال ركوب الخيل وسترة عسكرية زرقاء خالية من الأوسمة الذهبية، بدا شعره أعلاها أبيض لامعا لاشية فيه. وألقت كميلة بنفسها بين ذراعيه يكاد يغشى عليها، دون أن تنبس بكلمة أو تذرف دمعا. إن معنى السعادة أو الشقاء لا يمكن أن يدركه إلا أولئك الذين جربوه في أذهانهم من قبل، الذين عضوا بنواجذهم على منديل مبلل بالدموع ومزقوه إربا إربا بأسنانهم من فرط الحزن. أما بالنسبة لكميلة فقد كان كل ذلك يبدو إما لعبة أو كابوسا، كلا، لا يمكن، لا يمكن أن يكون حقيقة. إن ما يحدث، ما يحدث لها، وما يحدث لوالدها، لا يمكن أن يكون حقيقة. وأخذها الجنرال كاناليس بين ذراعيه وقال لها وداعا. - «هكذا احتضنت والدتك حين ذهبت للقتال من أجل وطني في الحرب الأخيرة. وقد وضعت العزيزة المسكينة في فكرها أني لن أرجع ثانية، ولكنها هي التي لم تنتظرني.»
وإذ سمع ذلك المحارب القديم خطوات على السطح، نحى كميلة جانبا، وذهب عبر الفناء المليء بالأصص والأزاهير إلى الباب الخلفي. وقال له عطر كل زهرة وكل جييرانيوم وكل وردة وداعا. وقالت له المياه التي تقطر إلى الجرار وداعا، وكذلك الضوء الذي يسري من النوافذ. وفجأة ساد المنزل الظلام، كأنما قد انفصل عن جيرانه بفعل ضربة قاضية. الهرب لا يليق بالجندي. ومن ناحية أخرى، فإن فكرة العودة لتحرير وطنه على رأس ثورة ...
ووفقا للخطة التي اتفقوا عليها، توجهت كميلة إلى النافذة لطلب النجدة: «واللصوص قد اقتحموا المنزل! النجدة! اللصوص!»
وقبل أن يتلاشى صوتها في وهدة الليل، وصل أول جنود الشرطة - أولئك الذين كانوا يراقبون واجهة المنزل - ينفخون في صفاراتهم الطويلة الجوفاء. وعلت أصوات متنافرة من حديد وخشب؛ وانهار الباب الخارجي من فوره. وظهر رجال شرطة آخرون في ملابس مدنية عند منعطف الطريق، جاهلين ما كان يحدث، ومن أجل ذلك خاصة كانوا يحملون خناجرهم الحادة جاهزة، وقبعاتهم تخفي وجوههم بينما رفعوا ياقات معاطفهم إلى أعلى. وابتلعهم الباب المفتوح جميعا - كالبحر الهائج. وكان فاسكيز قد قطع الأسلاك الكهربائية بعد أن صعد إلى السطح، حتى استحالت الممرات والحجرات ظلا واحدا هائلا. وأشعل بعض رفاقه أعواد الثقاب حتى يروا طريقهم إلى الخزائن والصناديق والأدراج، ودون مزيد من الضوضاء، عمدوا إلى نهبها من أعلاها إلى أسفلها بعد أن كسروا أقفالها، وحطموا الأبواب الزجاجية وأحالوا الخشب الثمين مزقا ونثارا. وكان آخرون يعيثون فسادا في حجرة الجلوس، يقلبون المقاعد والمناضد وخزانات الأركان المغطاة بالصور الفوتوغرافية التي بدت كأوراق اللعب الأسيانة في وسط الظلال، أو يضربون على مفاتيح بيانو صغيرة ثمين كان قد ترك مفتوحا، يئن كالحيوان الذي يتألم كلما دقوا عليه بأصابعهم.
وبعيدا كانت تسمع أصوات الشوك والملاعق والسكاكين وهي تقع على الأرض، ثم صرخة قطعتها ضربة حادة. وكانت المربية العجوز، «تشابيلونا»، قد خبأت كميلة في حجرة الطعام بين حائط وخوان في الحجرة. وألقى المحبوب المربية أرضا واشتبك شعرها بمقبض خزانة الفضيات فانتثرت على الأرض بصوت رنان. وأسكتها فاسكيز بضربة قضيب حديدي حيثما اتفق، حتى إنه لم يكد يرى يديها في الظلام.
الجزء
24 و25 و26 و27 أبريل
Halaman tidak diketahui