ولم يكن في حاجة إلى مفتاح البيت الذي يحمله في يده؛ لأن الباب انفتح على الفور. - حبيبي بابا. - «هس! تعالي، سوف أشرح لك كل شيء. ليس هناك من وقت نضيعه. سوف أشرح لك. قولي لمساعدي أن يجهز لي جوادا ... وبعض النقود. ومسدسا ... وبعد ذلك سأرسل في طلب ملابسي ... لن أحتاج إلا للضروري فقط في حقيبة. لا أدري ماذا أقول وأنت لا تفهمينني. أصدري الأوامر بأن يجهزوا لي البغل الكستنائي اللون، وجهزي أنت حاجاتي بينما أذهب أنا لتغيير ملابسي وكتابة خطاب لإخوتي. وسوف تبقين مع خوان بعض الوقت.»
ولو كانت الابنة قد شاهدت أمامها مجنونا هائجا لما كانت قد شعرت بالفزع الذي شعرت به حين رأت أباها، وهو الهادئ الرصين، يدخل في تلك الحالة من الهياج. كان مخنوق العبارات مخطوف اللون. لم تكن قد رأته هكذا أبدا من قبل. ودفعها الإلحاح والعجلة - يعذبها القلق ولا تستطيع أن تسمع ما يقول أبوها ولا أن تقول سوى: آه يا إلهي، آه يا إلهي - إلى التوجه إلى مساعد أبيها لتخبره أن يجهز البغل، وهو بغل عظيم ذو عينين تتوهجان بالنيران، ثم عادت لتجهز حقيبة الملابس: مناشف ، جوارب، خبز، شحم بالزبد، بيد أنها نسيت أن تضيف الملح - ثم توجهت إلى المطبخ لتوقظ مربيتها، التي كانت تجلس فوق السلة الخشبية غافية كعادتها أمام النيران الذابلة إلى جوار القطة التي كانت تحرك أذنيها لدى سماع أي ضوضاء غير مألوفة.
وكان الجنرال يسطر خطابا في عجلة شديدة عندما مرت الخادمة بالغرفة لتغلق النوافذ بالمزلاج.
واستولى الصمت على البيت، بيد أنه لم يكن ذلك الصمت الحريري. لليالي العذبة الهادئة، التي تطبع ظلمتها الليلية نسخا مطابقة من الأحلام الجميلة، أخف من عبير الزهور وأقل لمعة من المياه. إن ذلك الصمت الذي استولى على البيت، والذي لم يقطعه سوى سعال الجنرال وحركات ابنته المسرعة هنا وهناك، ونشيج الخادمة وأصوات فتح وإغلاقه الصوانات والخزائن والأدراج في فزع، كان صمتا مشدودا ثقيلا مؤلما كالملابس الغريبة. •••
وفي تلك الأثناء، كان ثمة شخص ضئيل، ماكر الوجه، ذو جسد أشبه براقصي الباليه، يكتب خطابا دون أن يرفع القلم من فوق الورق ودون أن يصدر عنه أي صوت، كأنما هو يخيط نسيجا عنكبوتيا:
إلى صاحب السعادة رئيس الجمهورية الدستوري، الحاضر دائما
سيادة الرئيس
وفقا لما تلقيته من تعليمات، فرضت حراسة مشددة على الجنرال «إيوسبيو كاناليس»، وأتشرف الآن أن أبلغ سيادة الرئيس أنه قد شوهد في منزل أحد أصدقاء فخامتكم، منزل السيد ميغيل ذي الوجه الملائكي. وقد أبلغتني الطباخة التي تعمل في منزل ذي الوجه الملائكي (وهي تتجسس على سيدها وعلى الخادمة)، والخادمة (التي تتجسس على سيدها وعلى الطباخة) أن ذا الوجه الملائكي قد انفرد بالجنرال كاناليس في حجرته ما يقرب من ثلاثة أرباع الساعة، وقد قالت إن الجنرال كاناليس قد خرج بعدها في حالة من الاضطراب الشديد. وبناء على التعليمات، ضوعفت الحراسة على منزل كاناليس، وصدرت الأوامر مرة أخرى بأن أي محاولة للهرب من جانبه لا بد وأن تنتهي بقتله.
وقد قدمت الخادمة - دون علم الطباخة - تفاصيل أخرى؛ فقد أخبرتني على الهاتف أن سيدها قد أفهمها أن كاناليس قد حضر إليه يعرض عليه ابنته مقابل تدخله الفعال في صالحه لدى الرئيس.
أما الطباخة فكانت - دون علم الخادمة - أكثر وضوحا في ذلك الموضوع؛ فقد قالت إنه بعد مغادرة الجنرال للمنزل كان سيدها في حالة سرور عظيم، وأمرها بأن تخرج حالما تفتح الحوانيت لشراء بعض المربى والشراب والفطائر والحلوى؛ لأن فتاة من أسرة عريقة ستحضر لتعيش معه. «هذه هي فحوى المعلومات التي أتشرف بإبلاغها إلى السيد رئيس الجمهورية ...»
Halaman tidak diketahui