توقف «خينارو روداس» إلى جوار الحائط كيما يشعل سيجارة. وحين حك عود الثقاب جانب العلبة، ظهر «لوسيو فاسكيز». وكان ثمة كلب يتقيأ إلى جوار سور أحد الأضرحة الحديدي.
وهمهم «روداس» عند مرأى صديقه: «ظهر الشيطان»! وحياه «فاسكيز» قائلا: «كيف حالك؟» واستمرا يسيران. - كيف حالك أيها العجوز؟ - إلى أين أنت ذاهب؟ - ما هذا السؤال؟ أأنت تمزح؟ ألم نتفق على أن نتقابل هنا؟ - آه، آه. لقد ظننت أنك نسيت. سوف أقص عليك آخر تطورات موضوعك، ولكن هيا بنا نتناول شرابا. هيا، فلنذهب عن طريق «رواق الرب» لنرى ما إذا كان ثمة شيء هناك. - لا أظن أن ثمة شيئا هناك، ولكن فلنذهب إذا شئت. منذ أن منعوا الشحاذين من النوم هناك، لم يعد يرى في تلك المنطقة أي قطة بالليل. - هذا أفضل. فلنعبر عن طريق فناء الكتدرائية، إذا رأيت ذلك، يا لشدة الرياح!
ومنذ مصرع الكولونيل «باراليس سونرينتي»، لم يفارق رجال الشرطة السرية منطقة «رواق الرب» لحظة واحدة. وكان يختار للحراسة في ذلك المكان أقسى الرجال وأشدهم خشونة.
وعبر «فاسكيز» وصديقه الرواق من أوله إلى آخره، وصعدا السلم الذي يفضي إلى ناصية قصر رئيس الأساقفة، وخرجا من جانب منطقة «المئة باب». وكانت أعمدة الكتدرائية تلقي بظلالها في المكان الذي اعتاد الشحاذون أن يناموا فيه. وكان ثمة سلم خشبي، وآخر، وآخر، مما يشهد بأن النقاشين سوف يقومون بإعادة الشباب لأبواب المبنى ونوافذه. والواقع أن البلدية كانت لديها خطط لإظهار تأييدها المطلق لرئيس الجمهورية، وعلى رأس هذه الخطط طلاء وإصلاح المبنى الذي كان مسرحا للاغتيال المشين لأحد ضباطه، على أن يتكفل بالنفقات الأتراك الذين يمتلكون «بازارا» في المنطقة تفوح منه دائما روائح نفايات تحترق! وكان القرار الحازم الذي اتخذه أعضاء مجلس البلدية حين طرح عليهم موضوع النقود: «فليدع الأتراك، فهم مسئولون على نحو ما عن مصرع الكولونيل «باراليس سونرينتي»؛ لأنهم يقيمون في المكان الذي وقعت فيه الحادثة.» ونتيجة لهذا الإجراء الانتقامي، كان الأمر سينتهي بالأتراك إلى أن يصبحوا أشد فقرا من الشحاذين الذين اعتادوا أن يناموا على أعتاب أبوابهم، لو لم يمد لهم بعض الأصدقاء من ذوي النفوذ يد المعونة فدفعوا ثمن الطلاء والتنظيف. وإصلاح إضاءة الكتدرائية، بأذون دفع مالية من وزارة الخزانة مشتراة بنصف قيمتها.
بيد أن وجود الشرطة السرية كان مدعاة لقلق هؤلاء التجار الأتراك. وكانوا يتساءلون فيما بينهم عن سبب وجود هذه الحراسة المشددة: ألم تتحول أذون الدفع إلى دلاء من الطلاء الأبيض؟ ألم يشتروا على حسابهم فرشا للطلاء في طول لحى أنبياء بني إسرائيل؟ وقد دفعهم حرصهم إلى زيادة عدد القضبان الحديدية والمزاليج والأقفال على أبواب حوانيتهم.
وغادر «فاسكيز» و«روداس» الرواق من الناحية القريبة من «المائة باب». وابتلع الصمت صوت خطواتهما الثقيلة. وبعد أن قطعا شوطا من الطريق، دلفا إلى بار يدعى «صحوة الأسد». وحيا «فاسكيز» البارمان وطلب زجاجة نبيذ وكأسين، وجلس مع «روداس» إلى مائدة صغيرة وراء ستار.
سأله «روداس»: حسنا، أي أخبار عندك عني؟
فرفع فاسكيز كأسه قائلا: في صحتك. - في صحتك.
وأضاف البارمان الذي كان قد حضر إلى مائدتهما لتقديم الطلبات، بصورة آلية: «في صحتكما أيها السيدان!»
وأفرغ كلاهما كأسيهما دفعة واحدة. - لم يحدث تقدم بالنسبة لذلك الموضوع ...
Halaman tidak diketahui