إن الفناء يعبق برائحة زهور رعي الحمام والبيغونيا. وكانت ثمة قطة تمشي على سطح المنزل، وعصفور يحاول الطيران داخل قفصه الخيزراني. ومن بعيد، كان يسمع صوت خرير المياه التي تنساب في خمول إلى النافورة كأنما يصيبها الدوار من السقوط.
وأغلق المدعي العسكري العام الباب في صلصلة من المفاتيح، ثم وضعها في جيبه وتوجه إلى السجين والجندي، ووقف كلاهما.
وتساءل وهو يشن بأنفه: «خينارو روداس»؟ كان البيت، في كل مرة يدخل من الخارج، يعبق برائحة مخلفات القطط. - أجل يا سيدي، في خدمتكم. - هل يفهم حارسك اللغة الإسبانية؟
فرد روداس: «قليلا جدا منها». والتفت إلى الجندي وأضاف: ما قولك؟ هل تفهم القشتالية؟ - نصف نصف.
فقال المدعى العام: حسنا جدا. يحسن أن تبقى هنا. وسوف أتحدث معه. ابق هنا إلى حين أن يعود، سوف يتحدث معي.
وتوقف روداس على باب حجرة المكتب. وطلب إليه المدعي العام الدخول، ووضع الأسلحة التي كانت معه على منضدة مغطاة بالكتب والأوراق، مسدس، وخنجر، وحزام يد معدني، وهراوة قصيرة. - أظن أنهم قد أخطروك بالحكم؟ - أجل يا سيدي. - ست سنوات وثمانية شهور، على ما أذكر. - ولكن يا سيدي، إني لم أكن شريكا للوسيو فاسكيز؛ لقد فعل ما فعل دون أي مساعدة مني؛ وحين وصلت إلى ذلك المكان، كان الأبله يتدحرج بالفعل على سلالم الرواق مغطى بالدماء وشبه ميت. ماذا كان بوسعي أن أفعل؟ كانت أوامر. قال لي إنها أوامر صادرة إليه. - حسنا، لقد نفذ فيه حكم الله بالفعل.
والتفت «روداس» لينظر إلى المدعي العام، كما لو لم يكن بإمكانه أن يصدق ما كانت سيماء وجهه الشريرة تؤكده، وظلا صامتين. ثم تنهد «روداس» قائلا: «لقد كان شابا طيبا.» ثم خفض صوته وهو يقول العبارات التالية في ذكرى صديقه، وكان قد تلقى النبأ بين دقتين من دقات قلبه وها هو يشعر به في دمائه: «حسنا، لا فائدة ترجى الآن! لقد كنا ندعوه «بالقطيفة» لأنه كان دائما يعرف من أين تقطف الثمرة.» - لقد حكم عليه طبقا لعريضة الاتهام على أساس أنه مقترف الجريمة، وعليك بوصفك شريكا له. - ولكني وكلت محاميا عني. - لقد كان المحامي بالذات في الواقع، وهو يعرف رأي السيد الرئيس من القضية، هو الذي طلب الإعدام لفاسكيز وأقصى عقوبة لك. - يا للشاب المسكين! إني على قيد الحياة على الأقل، أحكي القصة. - وبإمكانك أن تصبح حرا على الفور إذا أنت رغبت؛ لأن السيد الرئيس بحاجة إلى شخص مثلك، شخص جرب السجن فترة لأسباب سياسية. إن الموضوع يتعلق بمراقبة واحد من أصدقائه، لديه من الأسباب ما يجعله يعتقد أنه يخونه ... - هل تعني ...؟ - هل تعرف ميغيل ذا الوجه الملائكي؟ - بالاسم فقط. إنه ذلك الذي اختطف ابنة الجنرال كاناليس، أليس كذلك؟ - أجل، إنه هو. إنك ستتعرف عليه بسهولة لأنه وسيم للغاية: رجل طويل، حسن البنية، أسود العينين، شاحب الوجه، حريري الشعر، رشيق الحركة. إنه عميل خطير، وتريد الحكومة أن تعرف كل شيء يقوم به، والناس الذين يزورهم أو يتحدث معهم في الطريق، والأماكن التي يتردد عليها في الصباح وفي الظهيرة وفي الليل، ونفس الشيء بالنسبة إلى زوجته. سوف أعطيك تعليمات كاملة ونقودا كافية لذلك الغرض.
وتابع السجين حركات المدعي العام في بلاده؛ إذ تناول بعد كلماته تلك ريشة من على المنضدة وغمسها في محبرة كبيرة عليها تمثال للإلهة «تيميز» واقفة بين بئرين من الحبر الأسود، وأعطاها إلى «روداس» قائلا: وقع بإمضائك هنا، وسأصدر أوامري غدا بإطلاق سراحك. جهز أشياءك كيما تخرج غدا.
ووقع «روداس» باسمه كان السرور يرقص في ثنايا جسده كالثور الصغير الهائج.
وقال وهو يخرج : «إنني ممتن جدا، جدا.» وكاد أن يقبل الجندي الذي كان بانتظاره، وعاد إلى السجن كرجل ذاهب إلى الجنة.
Halaman tidak diketahui