يقول « توماس كارليل » في هذا الصدد : لقد اخرج الله العرب بالإسلام من الظلمات إلى النور ، وأحيى به منها امة خاملة لا يسمع لها صوت ولا يحس فيها حركة ، حتى صار الخمول شهرة والغموض نباهة والضعة رفعة والضعف قوة ، والشرارة حريقا ، وشمل نوره الأنحاء وعم ضوؤه الأرجاء ما هو إلا قرن بعد إعلان هذا الدين حتى أصبح للعرب ( المسلمين ) قدم في الهند واخرى في الاندلس (1).
وإلى هذه الحقيقة يشير ايضا مؤلف تاريخ اللغات السامية الشهير « رينان » قائلا : « لا مكان لبلاد العرب في تاريخ العالم السياسي والثقافي والديني قبل ذلك الانقلاب المفاجئ الخارق للعادة الذي صار به العرب امة فاتحة مبدعة ولم يكن لجزيرة العرب شأن في القرون الاولى من الميلاد ، حين كانت غارقة في دياجير ما قبل التاريخ » (2).
أجل إن هذه القبائل العربية الجاهلية المختلفة المتناحرة لم تكن تعيش أية حضارة ، ولم تمتلك أية تعاليم وقوانين ، وأنظمة وآداب قبل مجيء الإسلام ، لقد كانت محرومة من جميع المقومات الإجتماعية التي توجب التقدم والرقي ، ولهذا لم يكن من المتوقع ابدا ان تصل إلى تلك الذرى الرفيعة من المجد والعظمة ، ولا أن تنتقل من نمط الحياة القبلية الضيقة إلى عالم الإنسانية الواسع ، وافق الحضارة الرحيب بمثل هذه السرعة التي وصلت إليه والزمن القصير الذي انتقلت فيه.
إن مثل الشعوب والامم البشرية مثل المباني والعمارات تماما.
فكما أن البناء القوي الراسخ يحتاج إلى مواد انشائية قوية معدة باتقان ومحضرة باحكام حتى يستطيع البناء المصنوع من هذه المواد ، والمؤسس بعناية وهندسة متقنة من الوقوف في وجه الأعاصير ، والأمطار الغزيرة كذلك يحتاج كيان كل امة رشيدة من الامم إلى اسس وقواعد محكمة ( وهي الاصول والآداب الكاملة ، والأخلاق الإنسانية العالية ) لتستطيع من البقاء والتقدم.
Halaman 85