هو العكس عند المتعبين والسكارى والمرضى الذين يقل اهتمامهم بالحياة اليومية فيترك ( الوعي ) مكانه للاوعي ، وتترك الشخصية الظاهرية المعطلة مكانها للشخصية الباطنية.
ولذلك نجد بين آلاف العلماء والمفكرين مفكرا أو عالما واحد اتفق له في بداية عمره أن اهتدى بصورة لا شعورية إلى فكرة خاصة أونظرية معينة من دون سابق تفكير أو استدلال قائم على الشعور.
وخلاصة القول أن تجلي الشخصية الباطنية في الحياة الإنسانية قضية نادرة جدا ، وهي لا تحدث إلا في ظروف خاصة مثل : المنامات والاحلام وغيرها من التحولات الحياتية التي تقلل من توجه الإنسان إلى العالم الخارجي وتصرف التفاته وتوجهه إلى الشخصية الباطنية.
ولكن هذه الحالة وهذه الشرائط ( أي الغفلة عن هموم الحياة اليومية الخارجية ) لم تحصل للانبياء قط.
فالنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان طوال ( 23 سنة ) وهي أعوام الرسالة ، مشتغلا كل الاشتغال بقضايا الحياة اليومية ، فالنشاطات السياسية ، والتبليغية وقضايا الدعوة والقيادة كانت تهيمن على كل توجهه واهتمامه وتملأ ، عقله وروحه ونفسه.
فالكثير من آيات الجهاد ترتبط بساحات القتال والجهاد ، وهذا يعني انه كان مشدودا بروحه وعقله كله إلى تلك الامور.
وثالثا : ان هذه النظرية يمكن أن تصدق على نبوة الانبياء لو كان هؤلاء الأنبياء أفرادا متعبين ، منهزمين ، منتكسين ، مرضى ، معتزلين عن الحياة ليقال حينئذ ان هذه الحالات والظروف مهدت لانقطاعهم عليهم السلام عن هموم الحياة ، وقضاياها ، وبالتالي مهدت لفعالية الشخصية الباطنية وعملها.
ولكن تاريخ الأنبياء يشهد بوضوح لا إبهام فيه ، بانهم كانوا طيلة حياتهم الرسالية رجالا مجاهدين ، لا يهمهم إلا اصلاح المجتمعات وقيادة الجماعات وحل المشكلات الاجتماعية ، ورفع مستويات الناس معنويا وفكريا وكانوا
Halaman 330