302

واما الثاني فقوله سبحانه : « آمن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير » (1) فقوله : « آمن الرسول بما انزل إليه » صريح في أن متعلق الإيمان الحاصل بعد الوحي ، هو الايمان « بما انزل إليه » أعني تفاصيل الكتاب في المجالات المختلفة ، لا الإيمان بالله وتوحيده وعندئذ يرتفع الابهام في الآية التي تمسكت بها المخطئة ومن ينسبون عدم الإيمان بالله وتوحيده إلى النبي قبل البعثة ، ويتبين أن متعلق الإيمان المنفي في قوله : « ولا الإيمان » هو « ما انزل » لا الايمان بالمبدأ وتوحيده.

والحاصل إن هنا شيئا واحدا هو : « الايمان بما انزل من المعارف والاحكام والانباء » فقد نفي عنه في الآية المبحوث عنها لكونها ناظرة إلى فترة ما قبل البعثة ، واثبت له في الآية الاخرى لكونها ناظرة إلى ما بعد البعثة.

قال الطبرسي : « ما كنت تدري ما الكتاب » ما القرآن ولا الشرائع ومعالم الايمان (2).

وقال الفخر الرازي : المراد من الايمان هو الاقرار بجميع ما كلف الله تعالى به ، وانه قبل النبوة ما كان عارفا بجميع تكاليف الله تعالى بل انه كان عارفا بالله ... ثم قال : صفات الله تعالى على قسمين : منها ما تمكن معرفته بمحض دلائل العقل ، ومنها ما لا تمكن معرفته الا بالدلائل السمعية ، فهذا القسم الثاني لم تكن معرفته حاصلة قبل النبوة (3).

وقال العلامة الطباطبائي في الميزان : ان الآية مسوقة لبيان ان ما عنده صلى الله عليه وآله وسلم الذي يدعو إليه انما هو من عند الله سبحانه لا من قبل نفسه ، وإنما اوتي ما اوتي من ذلك بالوحي بعد النبوة ، فالمراد بعدم درايته بالكتاب هو عدم علمه بما فيه من تفاصيل المعارف الاعتقادية والشرائع العملية ، فان ذلك هو الذي اوتي العلم به بعد النبوة والوحي ، والمراد من عدم درايته الإيمان عدم تلبسه

Halaman 307