بل ذكر صاحب الشامل أن ذا الهيئة ينهى عن المباح ، ونصه : فإن كان مباحا ، وهو من غير ذي الهيئات ، فالوجوب باتفاق ، وكذا إن كان منهم على الأصح ، وينكر جهده ، وتبعه التتائي إلا أن شارح الشامل قال : لا وجه لإنكار المباح ، إنما الإنكار في غيره ، واستدل لما قال بكلام التوضيح وغيره ، فانظره إن شئت ، فأنت ترى أن غير المباح لا خلاف في إنكاره ، وإنما النزاع في اللعب المباح ، وكفى بهؤلاء الأئمة حجة ، فدعوى أن الإنكار لا يتجه كلام باطل ، لا التفات إليه ، وما أعجب حال هذا المفتي يدعي الضرورة على حقيقة أمر باطل ، لا يعرف له قائل ، واتباع الهوى يوجب أكثر من ذلك ، وكأنه أخذ ما قال من قول أبي المواهب في رسالته : إن المختلف فيه لا يسوغ التعزير فيه ، لكنه بدل التعزير بقوله : الإنكار لموافقة غرضه ، وقد رد ذلك ابن حجر بأنه مخالف لما اتفق العلماء عليه ، وأشبع الكلام في ذلك ، فراجعه إن شئت ، وقد كان في نفسي أن أرد بمجرد الإشارة والتنبيه مع الأدب ، ثم رأيت أن من لا يتأدب مع الشرع ، لا يتأدب معه ، وكيف لا ينكر المنكر ، والله تعالى يقول [ لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ] (¬1) على أنه حيث كان الرجل المنكر من علماء المالكية فالرد عليه بما في كتب الحنفية بعد صحة النقل عنهم ، وفهم كلامهم هي المسألة بعينها ، فإنه فعل أمرا يجب عليه بمقتضى مذهبه ، فالرد عليه بغيره إنكار للمختلف فيه ، وإن كان أراد بقوله : وغيرهم المالكية ، فقد سمعت نصوصهم ، فليفهم من كان ذا فهم على أن العبارة التي ذكرها إنما فيها لا يجب ، وأما أنه لا يسوغ ، وأن فاعله يلام فيحتاج إلى نص يفصح عنه ، والظن أنك لا تجده ، ولو عمرت عمر نوح .
وقوله : إن المحققين على جواز الترخيص برخص المذاهب .
إطلاق في محل التقييد ، وهو خطأ صريح ، وخبط قبيح ، على أنه قد علم من كلام ابن حجر المتقدم وغيره ، أنه لا رخصة في هذه المسألة .
وقوله : ومن شرط العالم .. الخ .
كلام يلحق قائله به العار ، ويضحك عليه من الصغار والكبار ، فإن النصوص طافحة بأن الشرط إنما هو علم الحكم في المسألة ، وأن الأمر بتغيير المنكر حكم عام ، تخاطب به / الأمراء والعلماء والعوام ، ومعرفة مواقع الإجماع 23 والخلاف لا يتيسر لجميع الأمة ، وقد ذكر الإمام العدوي أن هذه المعرفة من أصعب ما يكون ، وأنها لا تتيسر إلا لأهل الاجتهاد ، وهل قال أحد إن وجوب تغيير المنكر خاص بالمجتهدين ، وهل هذا المفتي متهم ، وكأن هذا المفتي لم ير لأحد كلاما في هذه المسألة .
وقوله : والاتفاق على جواز التقليد .
كان مراده اتباع إمام غير إمامه ، ودعوى الاتفاق على هذا باطلة ، وكأنه لم ير شيئا من كتب الأصول .
وقوله : إن هذا الأمر يستحب في مثله الارتكاب .
Halaman 34