Pedang dan Api di Sudan
السيف والنار في السودان
Genre-genre
فقال المهدي: «أنا موافق على ما تقول، اذهب الآن واكتب الخطابات وفي الغد تحمل إلى غوردون.»
فذهبت إلى خيمتي وكانت خيمتي قد تمزقت وبليت فأهديتها إلى بعض من حولي، ونصبت بدلا منها بعض الملابس على عصي كنت أجلس تحتها وأتظلل بها في النهار، أما في الليل فكنت أنام في الخلاء، وبحثت عن مصباح وأخذت في كتابة الخطابات وأنا قاعد على عنجريب، وكتبت أولا بضعة سطور لغوردون باللغة الفرنسية، قلت فيها إني قد فقدت المعجم الفرنسي لأن المهديين قد أحرقوه؛ ولذلك فأنا أكتب بالألمانية حتى يمكنني التعبير بإسهاب عن أغراضي، وقلت إني أؤمل أن ألاقيه قريبا، وإني أدعو الله لنصره، وقلت أيضا إن بعض الشايجية الذين انضووا قريبا إلى راية المهدي لم يفعلوا ذلك إلا خوفا على أنفسهم وأولادهم، وإن صدورهم لا تحمل الحقد أو البغضاء لغوردون.
ثم كتبت خطابا مسهبا بالألمانية قلت فيه إني سمعت من جورج كالامنتينو أنه - أي غوردون - قد غضب من تسليمي للمهدي، وإني لذلك أوضح الحقائق راجيا منه أن ينظر فيها ويعتبرها. ثم شرعت في شرح التجريدات التي جردتها لمقاتلة السلطان هارون. ثم قلت إنه عند بدء الثورة المهدية كان الضباط الذين في جيشي يسمعون أخبارا عن عرابي، وأنه طرد الأوروبيين من مصر، وأن هزائمي تعزى إلى أني غير مسلم، فاضطررت لذلك إلى القضاء على هذه الدسائس بالادعاء بأني مسلم، ونجحت بهذه الطريقة إلى أن اصطلم جيش هيكس وانقطع كل أمل في المعونة. وأخبرته عن تناقص جيشي بالحروب المتوالية حتى صار عدده لا يبلغ بضعة مئات من الجنود، وأن الذخيرة نفذت أو كادت، وأن الضباط والجنود طالبوني بالتسليم، فلم يكن بد بعد ذلك بصفتي أوروبيا وحيدا من الخضوع. وأخبرته بأن هذا التسليم كان من أشق الأعمال علي، ولكني شعرت باعتباري ضابطا نمسويا أني عملت عملا لا أخجل منه. ثم قلت إني بما سلكته من المسلك الحسن مع الخليفة والمهدي قد حصلت على ثقتهما، حتى أذنا لي بالكتابة إليه بحجة أني أطلب منه التسليم، ولكني أعرض عليه نفسي لكي أقاتل معه حتى الموت أو النصر، فإذا وافق على قراري لكي أنضم إليه فأنا أرجو أن يكتب إلي بضعة أسطر بالفرنسية بهذا المعنى، ولكن لكي تجوز الحيلة يجب أن يكتب إلي بضعة سطور بالعربية أيضا، يطلب مني فيها أن أستأذن المهدي لكي أذهب إلى أم درمان للمفاوضة في الصلح والتسليم. ثم أشرت إلى ولاء صالح بك وبعض المشايخ الآخرين له، ولكنهم لا يمكنهم أن يفروا إليه؛ لأنهم في هذه الحالة يضحون أولادهم وزوجاتهم.
ثم كتبت خطابا آخر بالألمانية إلى القنصل هانسل أرجوه أن يعمل كل ما في جهده لكي أعود إلى الخرطوم ، وأني إذا رجعت إلى الخرطوم أكون ذا فائدة كبيرة؛ لأني أعرف مقاصد المهدي ومبلغ قوته وما إلى ذلك. ولكني أخبرته بأنه في حالة انعقاد النية على تسليم الخرطوم لا داعي لي للهرب؛ فقد ذاعت إشاعة بين رجال المهدي مقتضاها أنه إذا لم تأت معونة لغوردون فإنه سيسلم. وبدهي أنه إذا سلم غوردون ووجدني المهدي قد فررت إليه فإنه يصرف غضبه كله إلي؛ لأني عاونت عدوه عليه.
وقد بدا لي أنه من الإنصاف والعقل أن أتأكد من هذه المسألة، وكانت الإشاعات القائلة بأن حامية الخرطوم قد سئمت القتال تروج بيننا، وأنها تنوي التسليم، فشددت لذلك من عزم هانسل وقويته على الثبات، وأن قوات المهدي ليست بالكثرة التي يشاع عنها، وأنه يكفي الجيوش المصرية أن تثبت وتنشط حتى يحق لها النصر، وحضضته على الثبات ستة أسابيع على الأقل حتى تتمكن النجدات من إنجادهم، ولما عدت إلى القاهرة في سنة 1895 علمت أن خطاباتي هذه قد بلغت إلى ولاة الأمور الإنجليز وطبعت مع يوميات غوردون.
وأخبرته أن عندنا إشاعة تقول إن الباخرة الصغيرة التي أرسلت إلى دنقلة قد تحطمت في وادي غمر، ولكني لا أعرف مبلغ هذه الإشاعة من الصحة أو الكذب.
وفي صباح اليوم التالي في 15 أكتوبر أخذت هذه الخطابات وذهبت إلى المهدي وأخبرته بأن يرسلها مع أحد خدمي إلى أم درمان، ثم ذهبت وبحثت عن الصبي مرجان فورا - وكان عمره يومئذ 15 سنة - فسلمته الخطاب أمام المهدي، وأمر المهدي واد سليمان بأن يعطيه حمارا ومقدارا من النقود، وقبل أن يغادرنا مرجان أمرته وأكدت عليه بألا يخاطب أحدا سوى غوردون والقنصل هانسل، وأن يقول لهما بأني أرغب في الذهاب إليهما.
وفي الظهر جاءنا فرسان من بربر وأكدوا لنا رواية تحطيم الباخرة وقتل الضابط ستيورات ومن معه، وأحضروا معهم جميع الأوراق والوثائق التي كانت في الباخرة، وأمرني الخليفة بأن أقرأ ما هو مكتوب منها باللغات الأوروبية، ووجدت بين هذه الأوراق جملة خطابات مرسلة من الخرطوم ووثائق رسمية أخرى.
وكان أهم ما في هذه الأوراق التقرير الحربي الذي يصف الحوادث اليومية في الخرطوم، ولم يكن ممهورا بتوقيع، ولكنني لم أشك في أن كاتبه هو غوردون، ولم أطلع إلا على جزء من المكاتبات التي لم أنته من قراءتها قبل أن دعاني المهدي وسألني عن محتويات هذه الأوراق، فأجبته بأن معظمها رسائل شخصية، وأن بها تقريرا حربيا لم أفهمه. وكان بين هذه المكاتبات لسوء الحظ بعض الخطابات والتقارير المكتوبة بالعربية، تمكن المهدي والخليفة أن يقفا منها على الحالة في الخرطوم، وكان بينها خطاب نصفه بالأرقام ونصفه بالحروف مرسل من غوردون إلى الخديو، وقد تمكن عبد الحليم أفندي الكاتب السابق في كردوفان أن يفهمه، ووجدت بين تقارير القنصليات خبر وفاة صديقي أرنست مارنو الذي مات في الخرطوم من الحمى.
وناقشني المهدي في الأوراق التي نرسلها إلى غوردون لكي نقنعه بأن الباخرة قد تحطمت وأن الضابط ستيورات قد قتل، وكان يعتقد أن هذا يجعل غوردون مضطرا إلى التسليم، فأشرت على المهدي بأن أحسن ما يقنعه هو تقريره الحربي، وأنه يجب لذلك رده إليه. وطال الجدال في هذا الموضوع وأخيرا استقر الرأي على مقترحي.
Halaman tidak diketahui