Pedang dan Api di Sudan
السيف والنار في السودان
Genre-genre
فما الذي أغراه بإذاعة هذا المنشور والإعلان فيه عن إخلاء الحكومة المصرية السودان، وقد نصح له حسين باشا ألا يقرأه في بربر، ولكن عندما وصل إلى متمه قرأه أمام جميع الناس، فهل لم تبلغ غوردون منشورات المهدي التي أرسلها عقب سقوط الأبيض؟ ألم يعرف أنه كان يدعو الناس في هذه المنشورات إلى إعلان الجهاد على الحكومة، وأن من يعصيه في هذا الأمر يعتبر خائنا للدين؛ فتصفى أملاكه وتؤسر نساؤه وأولاده ويصيرون عبيدا للمهدي؟
لقد كان غوردون يرمي إلى الحصول على معاونة هذه القبائل؛ حتى يتمكن من سحب الحاميات وكان يمكنه أن يتفق معها على ذلك، ولكنه الآن أضاع هذه الفرصة؛ إذ كيف يمكن أن تساعده هذه القبائل إذا كان هو قد أعلن إخلاء السودان؛ ومعنى ذلك أن تترك هذه القبائل لرحمة المهدي؟ وماذا كان يفعل المهدي بهم لو أنه علم أنهم عاونوا غوردون على أن يسحب الحاميات؟ ثم هل كان يمكنهم أن يقاوموا المهدي ومعه أربعون ألف جندي كل منهم يحمل بندقية، وذلك غير الآلاف المتحمسين الذين يشتاقون إلى الدمار والغنائم؟
كلا، لقد كانت هذه القبائل أعقل وأحصف مما حسبها غوردون، كانت تعرف أنه إذا انسحب غوردون من البلاد وتيقن المهدي أنهم عاونوه، فإنه يستأصل شأفتهم ويسبي نساءهم وأولادهم، ولم يكونوا هم في حاجة إلى هذه التضحية.
وإذا لم يكن في مقدور الحكومة لأسباب سياسية وغير سياسية أن تحتفظ بالسودان، فإن من العبث أن يرسل غوردون ويضحى به بلا فائدة. ولم تكن ثم حاجة إلى رجل ذي مهارة شاذة لكي يسحب جنود الحاميات والذخائر على البواخر إلى بربر بحجة رفع الحصار عن المدينة، وعندئذ تسحب جميع الحاميات أو معظمها، ولكن كان ينبغي السرعة في هذا العمل، ثم هو لم يكن ممكنا بعد سقوط بربر. ويجب أن نذكر أن بربر لم تسقط إلا في 19 مايو؛ أي بعد ثلاثة أشهر من وصول غوردون إلى الخرطوم. وعلى كل حال نقول إن إذاعة منشور غوردون قد عجل سير الأحوال إلى حد مزعج؛ فإن الأهالي عرفوا نية الحكومة في إخلاء السودان، وصار كل منهم ينظر إلى مصالحه الخاصة التي صارت على خلاف مع مصالح الحكومة التي قلبها مواطنهم المهدي.
ولم يكن في مقدور غوردون، مع صفات الشجاعة والنشاط التي يتصف بها بحق، أن يقف سير الأحوال بعد أن ارتكب هذه الغلطة السياسية الكبرى.
ولقد كنت أتقلب في العنجريب وأنا في هذه الأفكار، بينما كان حسين باشا يغط في نومه، ورأيت أن الإيمان بالقضاء والقدر يفيد في مثل هذه الساعة، ولكني كنت ما زلت أوروبيا لم تبلغ نفسي هذه المرحلة، وإن كنت قد تعلمت بعد ذلك أن أنظر إلى الأشياء نظر التسليم والهدوء وعلمتني تجاربي في السودان أن أمارس تلك الفضيلة الكبرى؛ فضيلة الصبر.
وانتشرت بعد أيام قلائل إشاعة بأن غوردون أغار على أبي حرجة وجرحه، وأن قواته التي كانت قد طوقت الخرطوم قد وقعت وهزمت، فامتلأ قلبي سرورا بهذه الأخبار، وإن كنت قد تظاهرت بعدم المبالاة.
ووصل إلى معسكرنا صالح واد المك، وكان قد سلم نفسه في فيداس ثم أرسله أبو حرجة بعد ذلك إلينا، وعفا عنه الخليفة والمهدي فأثبت هذه الأخبار وأمدني ببعض معلومات عن غوردون.
وفي هذا المساء استدعاني الخليفة للعشاء معه، وما كدنا نشرع في تمزيق كتلة اللحم الكبيرة التي أمامنا، حتى سألني قائلا: «هل سمعت الأخبار اليوم عن الحاج محمد أبي حرجة؟»
فقلت وأنا أشعر بالنفاق: «كلا، لم أترك بابك طول اليوم ولم ألتق بأحد.»
Halaman tidak diketahui