Pedang dan Api di Sudan
السيف والنار في السودان
Genre-genre
عندئذ يستطيع السودانيون الوثوق في القوى الجديدة الخارجية التي ستساعدهم في تحطيم قيود العسف والتطويح بالإمبراطورية المهدية الجائرة.
إني أطلب من القارئ أن يتمهل في الحكم على ضياع نفوذ المهدي وعبد الله ومن والاهما؛ فقد يتصور البعض مما سبق أن ذلك النفوذ الشديد سيزول، ولكني أعود فأؤكد أنه غير قابل للاندراس في حد ذاته، ولكنه عرضة لذلك التدهور بمؤثر خارجي فحسب، على أن ذلك يستغرق زمنا غير قليل.
أحيل قراء الكتاب إلى الفصول الأخيرة السالفة ليعرفوا مقدار ما اتخذه عبد الله في سبيل الاحتفاظ بقوته الداخلية طول حياته حيال أعدائه الداخليين. فليس غريبا أن يظل ذلك الاعتقاد راسخا في فكر الخليفة وقابلا للتصديق عند الجميع ما دام عبد الله في أمن من أي اعتداء خارجي وتدخل أجنبي؛ وإذن من المؤكد أن هذا الرجل سيظل صاحب السلطان طول حياته. أما بعد موته فمن المحتمل، بل من المؤكد أيضا، أن انقلابا عظيما سيحدث في ربوع السودان، وأن انفجارا هائلا سيتولد بعد الضغط الطويل.
وأقرب ما يتبادر إلى الذهن هو أن ذلك الانقلاب ينتهي إلى خلع الأسرة التي عني عبد الله منذ تولى خلافة المهديين بتأسيس حكمها الثابت. ولكني لا أستطيع التأكيد بأن ذلك التغيير سيقرب السودان إلى مصادر المدنية أكثر مما هي الآن.
إذا عرفنا ذلك، وجب علينا أن نقرر أن الخير لا يتم للسودان إلا بواسطة مساعدة خارجية. ومهما يكن من شيء، فإن الغرض السابق قد لا يتفق اتفاقا رقيقا مع مقتضيات الحال في السودان اليوم.
إن الذين يرغبون في دراسة حالة السودان الحاضرة ملزمون قبل أي اعتبار آخر أن يدركوا بأن السودان اليوم ليس هو ذلك السودان في أيام إسماعيل باشا، عندما تجلت المدنية بواسطة نفوذ الحكومة المصرية، في الوقت الذي كانت فيه البقاع والأمم المختلفة المجاورة للنفوذ المصري؛ إما في درك الهمجية وإما عابدة للأوثان؛ حيث لم يستطع الأوروبي ضمان النجاة لنفسه إذا اجتاز إحداها، علاوة على أن جميع الأوروبيين لم يكونوا معروفين، ولم تكن حتى دولة واحدة من القارة الأوروبية معروفة لدى الأمم المذكورة، كما أن العرب لم يظهروا في غير القليل النادر.
كان السودان إذن زهرة تلك البقاع، والمتميز عن جميع ما جاوره بما له من مدنية ونهوض، وكان ذلك كله في العهد المصري، ولكني أقول - كما قلت قبلا - إن الهمجية تطرقت إلى جوانبه عندما جاء عهد المهديين.
كان السودان على مقدار مذكور من المدنية والنهوض، فأصبح منكودا متخبطا في طرقات الجهالة والظلم، بعد أن ألقيت مقاليد الحكم فيه إلى قوة همجية وحشية تكره النفوذين الأوروبي والعثماني على حد سواء.
تلك هي الأمة التي تعترض الطريق من النشوز المركزية القائمة على وادي النيل إلى البحر الأبيض المتوسط، كما أنها الأمة التي تضع طابعها على المناطق التي كانت في وقت من الأوقات متمتعة بالهدوء والسلم وقابلة لكل مصدر من مصادر التجارة والمدنية والنهوض. وإنه لمن المحزن أن نذكر تدهور السودان وظهور ذلك الاضمحلال جليا؛ لأن المناطق التي كانت منحطة قبلا أخذت تنهض وتقوى، في حين نرى السودان متدهورا.
أصبح من السهل وجود التبادل بين المناطق السالفة الذكر وبين العالم الخارجي وتدفق سبل التجارة بحيت لا يعترضه معترض كما كانت الحال قبلا، فأصبح كل أجنبي آمنا على حياته من الخطر في حالة اجتياز أية منطقة؛ وذلك بفضل حماية الحكومة الأوروبية. ويكاد يكون أحسن ما أذكره عن تلك المناطق، أن العناصر الهمجية القائمة فيها أصبح أفرادها يدركون أن الخطأ والجهل كل الجهل في مقاومة تيار المدنية، وأن الخير كله في التمتع بظل النهوض الحديث.
Halaman tidak diketahui