Pedang dan Api di Sudan
السيف والنار في السودان
Genre-genre
والآن أقول بأنا نجد في الناحية المتوسطة من أفريقيا، بين الأراضي المذكورة أخيرا وحيال القوى الأوروبية الباسطة نفوذها في الشمال والجنوب والغرب؛ نجد في تلك الناحية السودان المصري الذي يخضع اليوم لحكم الخليفة عبد الله وأشياع المهدي، وهم أشد الحكام قساوة وأكثرهم ظلما للرعايا.
إن الأوروبي، كائنا من كان، لن يستطيع اجتياز ذلك السودان كزائر أو عامل، وأقصى ما يحدث لذلك الأوروبي لا يختلف عن أدنى ما يصيبه، سوى اختلاف جزئي لا يؤثر شيئا في النفس التي اعتادت الحرية، والتي خلقها الله في جسم الإنسان لتشعر بسعادة الحياة الهادئة البعيدة عن العسف والمظالم من ناحية الحاكم صاحب الأمر. وللإنجاز أقول بأن أقصى ما يصيب الأوروبي في السودان هو الموت، وأدنى ما ينتابه هو البقاء طول حياته أو أغلبها أسيرا مغلوبا على أمره. قد لا يجد في الحقيقة فرقا بين الموت وبين تلك الحالة المؤلمة، ولكني عن شخصي أجد اختلافا ظاهرا؛ هو تمتعي بالنجاة والحياة الحرة قبل موتي الطبيعي الهادئ.
إذن يتعرض الأوروبي السائر لتلك البلاد البعيدة عن المدنية، والممتدة جنوبا على طول النيل إلى الرجاف، وشرقا إلى غربي كسلا على مقربة من واداي؛ للموت السريع أو لعيش مرير تحيط به مظالم المستبدين.
لم يكن السودان تحت حكم مصر على مثل ما أصف من شدة على الأوروبيين، ولم نكن نحن الغربيين نتضجر من أمثال تلك المظالم، فما هي إلا عشر سنوات منذ وقع السودان في قبضة المهديين حتى شاهدنا المظالم تترى والعسف يتوالى. وإنه لمن الحق أن أصرح بأن السودان ظل أكثر من سبعين سنة - منذ دخله محمد علي - تحت حكم مصر والمصريين، فكان من ذلك العهد الطويل مفتوحا للجميع ومستعدا لقبول كل جديد تأتي به المدنية ويدعو إليه العمران.
تحت حكم المصريين انتشر التجار المصريون والأجانب على السواء في مدن السودان الرئيسية، وفي الخرطوم ذاتها كان للدول الأوروبية العظمى ممثلون محترمون من الجميع، وقد كان الأجانب من جميع الدول الأوروبية متمتعين بحق الدخول إلى السودان والخروج منه، وهم في كل من تينك الحالتين على أتم ما يتمنون من أمن وهدوء وسلم. وإلى جانب ذلك سهلت المواصلات بين السودان، وأبعد الممالك الأوروبية بواسطة الرسائل التلغرافية والبريدية المنظمة.
إن أعظم ما تمتع به السودان أثناء الحكم المصري الطويل هو قيام كل فرد بشعائره الدينية وبنشر العلوم حسبما يوحي إليه ضميره، فكنت ترى مساجد المسلمين وكنائس المسيحيين في أماكن قريبة يقصدها أبناؤها بمطلق الحرية وفي هدوء واطمئنان، كما كنت ترى مدارس المسيحيين الأوروبيين منتشرة لتعليم العلوم الحديثة، لا فرق في ذلك بين الفلسفية منها والدينية والعلمية المحضة، كانت المناطق السودانية مقطونة بقبائل مختلفة، وكان العداء في كثير من الأحيان شديدا بين رجال القبائل، ولكن حزم الحكومة المصرية أدى إلى نشر السلم بين السودانيين على وجه عام، سواء أكانوا في ذلك راضين أم مرغمين.
جاء دور المهديين فانقلب الحسن إلى سيئ، وأصبحت الحال المهدية الجديدة غير الحال المصرية الأولى، فانتشر الجزع والاضطراب في البلاد السودانية. وقد أبنت في الفصول السابقة مقدار طمع وسوء إدارة الموظفين الجدد؛ مما وصل بالبلاد إلى حد أصبح ميسورا معه نشوب الثورة.
سعيت جهدي في الفصول السابقة إلى شرح ما قام به محمد أحمد لاستغلال الموقف والظهور بين القبائل المتقاتلة؛ فقد أيقن ذلك الرجل أن السبيل الوحيدة التي توفق بين أولئك المتخاصمين هي سبيل الدين؛ فادعى أنه المهدي المرسل من الله تعالى لتحرير البلاد من النير الأجنبي، ولإحياء الدين، فكان ذلك العمل من جانب المهدي سببا رئيسيا في إيجاد خلة التعصب الديني الذميم، الذي زاد سوء الحالة في الاثنتي عشرة سنة الأخيرة، ودعا إلى تذمر لا من الأجانب فحسب، بل من السودانيين أيضا، الذين وقعوا في حبائل الفوضى والظلم.
كان من المستحيل نجاح الثورة بدون التعصب، هذا إلى أنا وقفنا به (التعصب) أمام حالة حرجة؛ هي حالة الحرب والجهاد بين المختلفين في الدين. ومن الغريب في أمر ذلك السودان أنا لم نجد حالة توازن بين التعصب الممقوت والتسامح الحميد، فكنا قريبين في حالتنا من القرون الوسطى أو ما هو أبعد أمدا.
سعيت - عندما ذكرت حياتي وأعمالي في الفصول الأولى، وعندما وقفت أمام نذير التعصب الديني - إلى السير بخطى متئدة في سبيل تعقب الأسباب الرئيسية التي دعت إلى الحالة الحاضرة. ولئن قررنا حقا أن الحالة تغيرت عما كانت عليه في زمن المهدي وأوائل حكم الخليفة عبد الله، فإنا نذكر إلى جانب ذلك أن الموقف لا يزال خطيرا، وهو في حاجة إلى الأيدي العاملة بنشاط بعد معرفة الحقائق والتفصيل، حتى يتمكن أصحاب الشأن من معرفة السبل التي يتحتم عليهم عبورها للاحتفاظ بالمدنية، ونشر ألوية العدل في ذلك الفضاء الواسع من الأمة التي هوت إلى حالة مكربة مؤلمة لا نستطيع وصفها، بعد أن ضعف فيها المستويان الرئيسيان لبقاء الأمم؛ وهما الخلقي والديني. وإلى جانب ذلك نذكر ما يطمع إليه الجميع، سواء في ذلك الوطنيون والأجانب، من عدل شامل وطمأنينة محققة.
Halaman tidak diketahui