Pedang dan Api di Sudan
السيف والنار في السودان
Genre-genre
فأجبته قائلا بكل هدوء وسكينة: «يا مولاي لا يمكنني الدفاع عن نفسي، وأنا أجهل خصومي الذين وشوا بي، ولكني أفوض أمري للبارئ، جلت قدرته، ولقد مضت ست سنوات بل أكثر وأنا الخادم الأمين في خدمة مولاي، أواصل الليل بالنهار على بابه تحت الشمس المحرقة وتساقط المطر الغزير، وتنفيذا لأوامرك يا مولاي قطعت صلاتي مع كل أصدقائي، وفي كل هذه المدة التي أنا فيها في خدمة سيدي لم أرتكب جرما، فأخبرني يا مولاي عن الذنب الذي ارتكبته، إن طاعتي لك طول هذه المدة لم تكن عن خوف، وإنما كانت عن محبة وإخلاص، وليس يمكنني أن أفعل أكثر من ذلك، وإني لرحمة ربي وعفو مولاي منتظر.»
فقال للملازمين: «ما رأيكم في أقواله هذه؟» فأجابوه بأنهم لم يلاحظوا شيئا يشين سمعتي.
وقد علمت بعد ذلك من هم هؤلاء الذين أوجدوني في ذلك المركز الحرج، ثم قال لي: «أنت مسامح هذه المرة، وعليك أن تحاذر في المستقبل.» ثم مد لي يده لأقبلها وأمرني بالانصراف.
وفي اليوم التالي طلبني وحدثني بكل لطف طالبا مني أن أحذر أعدائي، وأن أجتهد بقدر المستطاع حتى لا يكون لي أعداء، وأعلمني بأن المهدية تتبع قواعد الإسلام، فإذا ما شهد ضدي في أي دعوى شاهدان وجبت إدانتي حتى ولو كان الشاهدان كاذبين، وفي هذه الحالة يصبح العفو عني غير مستطاع، فكيف يحلو لي العيش والحالة هذه، وحياتي أصبحت بإرادة شخصين يريدان الإيقاع بي؟! ولكني على كل حال شكرته على نصيحته الغالية، وقلت له: «يا مولاي إني أعمل دائما بقدر استطاعتي لإرضائكم حتى أكون دائما محل ثقتكم.»
ولما عدت إلى منزلي وقد انتصف الليل، كنت في أشد حالات التعب راغبا في الراحة، فقابلني خادمي سعد الله وأبلغني أن تابعا من أتباع الخليفة جاء حالا ومعه سيدة مقنعة أرسلها لي وهي بداري الآن، فسررت عند سماعي ذلك لا لشيء سوى أني تيقنت من رضاء الخليفة، وتحققت أن قد زال كل شيء من نفسه. ثم ذهبت مع سعد الله إلى المنزل فوجدت تحت القناع سيدة مصرية ولدت بالخرطوم لا بأس بجمالها، فبعد أن تبادلنا التحيات بادرتني بسرد تاريخ حياتها مدعية أنها ابنة ضابط مصري، وقد علمت بعد ذلك أنها ابنة جندي وقع قتيلا في حرب الشلك، وأن زوجها الأول قتل في الحملة التي أرسلت للاستيلاء على الخرطوم، وأن أمها حبشية لا تزال على قيد الحياة. ثم قالت إنها كانت إحدى نساء أبو أنجة العديدات، وإن الخليفة اختارها الآن لتكون زوجة لي خلفا لذلك البطل العظيم. وقالت لي إنه سبق للأحباش أن أسروها، وكان زكي طومال هو الذي أطلق سراحها. وقالت أخيرا إن لديها معلومات قيمة عن المعارك التي نشبت في عهد أبو أنجة.
وحكاية هذه السيدة هي أن الخليفة كان قد أصدر أوامره بإحضار أرامل أبو أنجة إلى أم درمان، فلما حضرن أخذ يوزعهن على أتباعه. وقالت لي إنها لمغتبطة جدا لوقوعها مع شخص من أبناء جلدتها، فأجبتها في الحال بأني أوروبي، وأن ما حصل من تغيير لوني إنما كان بسبب ما أنا عليه من الحال، واضطررت إلى أن أقول لها إنها ستكون موضع عنايتي.
ولما كنت في أشد حالات التعب طلبت إليها أن تتبع الخادم سعد الله الذي سيمهد لها كل سبل الراحة. وقلت في نفسي إن الخليفة بدلا من أن يأمر خازن بيت المال بأن يمدني بالمساعدة لقضاء حاجياتي الضرورية بعث لي بتلك الزوجة التي تزيد في شقائي وتعبي.
وفي اليوم التالي سألني الخليفة عما إذا كنت قد أعجبت بهديته وهل أنا راغب فيها، فأجبته بأني سعيد لأني شعرت برضاء مولاي عني، وأنني أتمنى أن يجعلني الله - سبحانه وتعالى - مشمولا دائما برعايته.
ولما عدت إلى منزلي قبل صلاة الظهر وجدته مزدحما بالنساء اللاتي دخلنه بالقوة - كما أبلغني سعد الله - مدعيات أنهن أقارب فاطمة البيضاء - كما كانوا يسمون السيدة التي بعث بها إلي الخليفة - ووجدت ضمنهن امرأة مسنة قالت لي إنها والدة فاطمة، وإنها مسرورة لأن ابنتها أصبحت لي، ورجتني أن أحسن رعايتها. فأخبرتها بأن ابنتها ستكون دائما موضع عنايتي، وسنعيش في منتهى الهناء والسرور، واعتذرت لهن بكثرة أشغالي، ثم انسحبت بعد أن طلبت إلى سعد الله أن يحسن وفادتهن على حسب عادات البلاد وأن يخرجهن بعد ذلك، ولو أدى الأمر إلى استدعاء من يساعده.
ومضت بضعة أيام ثم سأل الخليفة عن فاطمة مرة أخرى. وبما أني كنت أعلم جيدا أنه يريد دائما أن أعيش عيشة الوحدة ولا أخالط أحدا، أخبرته بأني لا أرى مانعا من أن تعيش معي، غير أن لها عدة أقارب يترددون عليها طول اليوم، وعلى ذلك قد تضطرني الظروف إلى مخالطتهم، وهذا أمر يأباه مولاي وتأباه نفسي؛ ولذلك فإني سآمرها بأن تخضع لأوامري وتمتنع عن الاتصال بأهلها ومعارفها بقدر الإمكان، فإذا لم تخضع فإني أفضل تسليمها لأقاربها. فارتاح الخليفة لهذا الاقتراح ارتياحا تاما، إلا أنه منذ طرد سعد الله الزوار في أول مرة، لم يعد أحد يقدم إلى دارنا، ومخافة أن يسيء الخليفة الظن في قصدي توانيت قليلا في تنفيذ ما قررته.
Halaman tidak diketahui