Katakan
ساي
Genre-genre
هيروكي
تغيرت ساي، تغيرت ملامحها، لم تعد مشرقة كما قبل، حتى شعرها بدأ يكتسي بالشيب، لم أكن أذكر أني رأيت هذا الكم من الشيب في رأسها، بدأت تظهر بعض التجاعيد على ملامح وجهها، ومسحة الكآبة كستها بالكامل. لم أعد أرى أي شبيه لساي التي أحببتها في تلك الإنسانة التي أمامي الآن، ولكن هذا لا يعطيني أي حق في التخلي عنها أو فقدان اهتمامي بها أو عدم محبتها، كنت أعلم أن لا أحد قادر على مساعدتها سوى نفسها، لذا وقفت صامتا أؤدي دور المشاهد المتألم. هل أنا سلبي إلى حد ما؟! كنت أسأل نفسي دائما، هل بوسعي فعل شيء لم أفعله!
كنت أتمنى لو أنها تصرخ، أو تلوم، أو تبكي، لكي أستطيع التفاعل معها، أما أن تبقى جسدا بلا روح فهذا أكثر ما يعذبني. ما زال لدي طاقة للصبر على ما تفعله ساي بنا، فأنا موقن أنه ليس من حقي أن أقرر متى عليها إنهاء حزنها، لا يحق لي تقييم كمية حزنها بأيام أو شهور تستطيع استهلاكها ثم تعود ساي الطبيعية. لكني في الوقت نفسه، لم أعد أستطيع رؤيتها تذوب أمامي، فقلبي لا يقوى على ذلك، أريد أن أرى ابتسامتها مجددا. قررت أن أبهجها في أحد الأيام وذلك بأشياء بسيطة. كان موعد ذهابي إلى منزلها، فأحضرت معي حلواها المفضلة وأعددت لها الطعام كالعادة. لم يخطر ببالي أن اليوم يشكل ذكرى سيئة لساي، كنت أتذكر الفترة بشكل عام وليس اليوم بالتحديد، ولم يخطر ببالي أن ساي التي لم تعد تميز حتى الفصول عن بعضها، ستميز هذا اليوم أو تذكره، أما ساي حين رأت مائدة الطعام المعدة بانتظام والحلوى المشتراة جن جنونها، وبدأت بالصراخ: أخيرا ظهرت على حقيقتك، ها أنت ذا تحتفل بفقداني لطفلي.
هنا بالذات جن جنوني، وطلبت منها أن تصمت ولا تتكلم، لم تذعن وعاودت الصراخ، أخبرتها أن تصمت ولكن ما زالت على هذه الحال، حين هممت بالتكلم وضعت ساي يديها على أذنيها وهي ترفض الاستماع وبدأت بالصراخ: اخرج من هنا لا أود رؤيتك مجددا، لا أود رؤية أحد هنا، دعوني وحدي، لا أريد وجودك في حياتي، لا أريد وجود أي أحد في حياتي.
أمسكتها بعنف وبدأت أصرخ في وجهها: ساي! هذا يكفي، لم أعد أحتمل أفعالك، لم أعد أطيق كل ما تتفوهين به، منذ سنة كاملة وأنت تتذمرين وتتذمرين فقط، حاولت أن أحتوي حزنك وغضبك، حاولت أن أبقى بجانبك، تغاضيت عن عدم شعورك بي، وبحزني، وبألمي، كما لو أنك وحدك من تألم، ووحدك من فقد، ووحدك من عانى، لم أطالبك بأن تشعري بي أو تواسيني، كنت أود فقط أن تخرجي من حالتك تلك، لكنك كل يوم تزدادين عنادا وجنونا، كل يوم تصبح كلماتك وأفعالك أقسى وأشد عنفا، لم أتخيل يوما أن تصلي إلى تلك الحالة، ولم أتخيل يوما أن أرى وضعنا كما هو الآن، أخبريني ما الذي علي أن أفعله ولم أفعل؟
كنت أصرخ بكل قوتي، وغضبي، وألمي، كنت أصرخ وأنا أقول تلك الكلمات التي تراكمت في نفسي، تجمدت ساي في تلك اللحظات أمامي، فمن الواضح أنها لم تتوقع أن تكون ردة فعلي عنيفة، فقد اعتادت على صمتي المتكرر لكلامها الجارح والقاسي، وأنا لم أعد أحتمل بعد الآن.
أنهيت كلامي ودفعتها عني من غير أن أوقعها أو أسبب لها أذى، خرجت من شقتها وأنا أقسم أني لن أعود ثانية إليها، أغلقت باب الشقة بقوة وقسوة، وتركتها في جنونها ومضيت.
ساي
كنت أتوقع عودته بعد ساعة أو ساعتين، لكن مضت خمس ساعات ولم يأت، ثم مضى يومان ولم يأت في موعده المعتاد، ثم مضى أسبوعان والحال ذاتها. وها هو آخر إنسان في حياتي لم يعد يظهر ولم يعد موجودا، إلا أنه بات يرسل امرأة لتقوم بتنظيف المنزل وإعداد الطعام لي. مضى الشهر والحال ذاتها، ثم سألت تلك المرأة بعد مرور الشهر: أين هو البروفيسور هيروكي؟
قالت لي إنها لا تعلم، لقد تم توظيفها وهي تقوم بعملها فحسب. مع مرور تلك الأيام، بدأت حركتي تتقلص في المنزل، بات موحشا أكثر فأكثر. فعلى الأقل حين كان يتردد هيروكي علي لم أكن أشعر بوحشة المكان، يوما بعد يوم كانت المساحة التي أتحرك بها تصغر إلى أن غدوت لا أغادر مكاني إطلاقا. هنا أحسست أني لا أحتمل غيابه وبعده عني، أنا أشتاق للمساته الدافئة، أشتاق لابتسامته الهادئة، إن كان قد أصابه أي مكروه فسيزيد جنوني جنونا، أيقنت أني لا أزال أحبه. في السنة الماضية، ربما كنت أعد وجوده معي هو الشيء الطبيعي وأنه لن يبتعد عني مهما حصل، لكني كنت قاسية عليه وعلى نفسي أيضا، تذكرت قسوة هاك معي وكيف أني ألعب دور هاك الآن بل وأتقنه أيضا، هنا تفهمت قليلا انفصال هاك عني بالرغم من الحب المتبادل بيننا، فالحب وحده لا يكفي لاستمرار العلاقات .
Halaman tidak diketahui