Katakan
ساي
Genre-genre
مضى على يوم الحفل شهر كامل وساي لم ترسل أي إجابة، لم تتصل، ولم تأت إلى المركز. أرسلت لها عدة رسائل وكعادتها كانت ترد فقط «أنا بخير». لن ينفد صبري، لكنني تعبت من الانتظار، وتعبت من شعور الاشتياق. هذه المشاعر جديدة حقا علي ولا أستطيع التأقلم معها بشكل جيد. يبدو أنها حقا لن تكترث بي، مع الأيام بدأ ذلك الشعور يتسرب إلى قلبي: إنها ستبقى على عنادها هذا إلى الأبد. ومع أني لم أعتد الاستسلام إطلاقا لكني إن بقيت على هذا المنوال وهذه الطريقة فلن أستفيد، ولن أصل إليها أو إلى قلبها، فقررت أن أحاول اللقاء بها، لكنها كانت تتذرع بمشاغلها. بدأت أرسل لها الورود عل تلك الورود تعبر عن مشاعري إن كانت كلماتي تعجز عن ذلك. قمت بدعوتها عدة مرات إلى بعض المعارض الفنية، والمسرحيات، والمعارض العلمية، وسوى ذلك، لكنها رفضت مرافقتي واعتذرت بشدة. بعد مرور شهر آخر على هذه الحال بدأ شعوري ينحاز نحو الاضطراب والمرارة. أذكر أني في ذاك اليوم، كنت سأرسل لها رسالتي الأسبوعية المعتادة، بدأت بكتابة كلماتها، فوجدت لهجتي مختلفة. فقد اعتدت مسبقا أن أسألها عن حالها وأخبرها قليلا عن أخباري وأختم الرسالة بجملة واحدة قصيرة تعبر عن مدى اشتياقي إليها وانتظاري لردها، أما هذه المرة فقد كان مضمون الرسالة يتحدث عن إرهاقي مما تفعله بي، وتعب روحي وقلبي.
ما إن أنهيتها وعاودت قراءتها قبل إرسالها، حتى قررت أني لن أرسلها بهذا الشكل، وفضلت الاحتفاظ بها لي من غير أن أزعجها بها. فأنا لا أحب أن أضغط عليها بما أشعر، فلا ذنب لها بشيء، سوى أنني أحببتها. ولأول مرة في حياتي، تواجهني مشكلة أعجز عن حلها. فكرت كثيرا، ولم أجد وسيلة أو طريقة تقربني إليها، كنت أتساءل: أيعقل أن أستسلم حقا كما تنبأت ساي!
أتى الأسبوع التالي ومجددا، أتى موعد رسالتي لها. ومجددا لم أستطع أن أرسل لها رسالة عادية ومقتضبة. استرسلت كثيرا بالتعبير لها عن كمية الألم الذي بدأ يتسلل إلى قلبي بسبب عدم اكتراثها بي، كان هناك الكثير من اللوم والعتاب الموجه إليها مع أنني أعلم أن ذلك ليس من حقي. استجمعت قواي، لم أقرأها أو أراجعها مجددا لكيلا أغير رأيي، ثم أرسلتها وأغلقت جهاز الحاسوب مباشرة. حاولت أن أشغل نفسي بأمور عدة، توقعت أن يأتيني رد مختلف هذه المرة، كنت راضيا حتى إن وبختني، لكن على الأقل أن يأتي الرد مفصلا أكثر. لكن يبدو أنني قد حصلت على النتيجة المعاكسة، فلم يأت هذه المرة أي رد منها. انتظرت ثلاثة أيام، كانت تلك الأيام متعبة لي بحق. فقد كنت أتفقد بريدي الإلكتروني كل خمس دقائق، علي أرى رسالة أو ردا منها، ثم قررت أن أرسل لها رسالة اعتذار ما إن يهدأ قلبي.
ساي
أصبح موعد رسالة هيروكي الأسبوعية هو موعدي الخاص الذي أتهيأ له بوضع كوب القهوة، والجلوس على أريكتي المفضلة في غرفة الجلوس في منزلي، وإغلاق هاتفي النقال والأنوار، وإغلاق كل ما يمكن إغلاقه وفتح قلبي لسماع كلماته، كان ذلك بإرادتي، لا أعلم لم أجرف نفسي في هذا الاتجاه مع أنني على يقين أنني لن أستسلم ولن أرتبط ثانية بأحد. إنها ليست المرة الأولى التي يسألني بها أحدهم الزواج بعد أن انفصلت عن هاك. في كل مرة كنت أرفض من غير أن أشعر بأي اضطراب. ما خطبي الآن؟ لم أتصرف بهذه الطريقة؟
كنت أقرأ رسائله بشغف، ربما لأن كلماته صادقة جدا، مختصرة، وأنيقة. أقرأ رسالته ثم أجلس بهدوء إلى أن أغفو. أستيقظ صباحا وقد استرجعت قوتي وعدم رغبتي في التفكير بأي أحد. اعتدت على هذا السيناريو على مدى أكثر من شهرين إلى أن أتى ذاك الأسبوع. جلبت كوب قهوتي، أغلقت كل شيء حولي عدا قلبي وجلست أمام شاشة جهازي الحاسوب. قمت بتحميل رسائلي وأنا أنتظر رؤية اسمه، لكن لا شيء منه، أعدت النظر بين الرسائل التي لم تتم قراءتها، فلم أجد اسمه، تأكدت أن الإنترنت يعمل بشكل جيد، ثم أعدت تحميل بريدي الإلكتروني، لكن لم أر اسمه ولم أر رسالته، لم أستطع أن أفهم سبب تأخر رسالته، ولم أستطع أن أفهم سبب انزعاجي من عدم رؤيتها. انتظرت قرابة الساعة، ثم ذهبت إلى سريري، فلم أستطع النوم. بعد ساعتين أمسكت هاتفي النقال وأعدت تحميل بريدي الإلكتروني علي أجد رسالة منه، لم أجد شيئا، رميت هاتفي على الجانب الآخر من سريري وأنا مستاءة ونمت. عندما استيقظت كان مزاجي سيئا، تمتمت بصوت مرتفع وبدأت أتحدث مع نفسي: قلت له إنه سيسأم، وادعى أنه لن يسأم أبدا، هي عدة أشهر ولم يستطع الاحتمال، ثم يدعون أنهم أحبوا وسيعطون ويضحون، كم هذا مضحك!
ضحكت بصوت مرتفع، ثم ساد الهدوء شقتي من جديد، وعلت على وجهي ملامح الاستياء من كل شيء حولي. ثم مرت عدة أيام واعتدت على فكرة تخلي هيروكي عني. كنت أدرك تماما أن مشاعري تلك طبيعية، فأنا امرأة تراجع أحد معجبيها عن إعجابه بها. كنت أبحث عن رسالته الغائبة طيلة أيام الأسبوع، أمني نفسي أنه قد يكون مسافرا، قد يكون مشغولا، ولا يملك وسيلة لإرسال الرسالة، والكثير من الأعذار، والكثير من محاولات البحث عن تلك الرسالة، لكن لا شيء.
في الأسبوع التالي، وفي موعد رسالته، لم أرغب في انتظارها، ولم أشأ أن أجلس جلستي القديمة على أريكتي المعتادة، بل شعرت برغبتي في القراءة فأنا لم أطالع الكتب منذ فترة. ذهبت إلى مكتبتي الصغيرة المتواضعة، كنت أرى وجه هيروكي في جميع صفحات الكتب، كنت أسمع صوته حولي، حاولت تناسي ذلك فلم أفلح. ذهبت إلى سريري وحاولت الخلود للنوم، فلم أفلح أيضا. ثم خطرت لي فكرة جيدة، هي أن أرسل له رسالة لأتفقد حالته، ربما هو مريض أو أي شيء من هذ القبيل. أمسكت هاتفي وما إن فتحته، حتى رأيت رسالة من هيروكي! لقد أثلجت قلبي وأشعلته في الوقت نفسه، لقد كان يعاتبني على كل ما يصدر مني من عدم مبالاة واكتراث، كان يحكي بإسهاب عن مشاعره وعن حيرته، ومن عادتي أن أرسل له جوابا مقتضبا أني بخير، لكني هذه المرة لم أكن أعلم بم أجيبه، فلم أرسل له أي رد، لم يكن هدفي أن أتلاعب بعواطفه، لكنني حقا لا أعلم بم سأجيبه، فهو لم يسألني كيف حالي كما يفعل دائما، بل كان يحكي لي عما يشعر به فحسب. شعرت بألم تجاهه وبت أقرأ رسالته كل ساعة، إلى أن حفظتها تماما.
مر يومان وأنا على هذه الحالة، وصادف اليوم الثالث يوم زفاف إحدى صديقاتي المقربات، أقيم حفل الزفاف في مدينتها التي تقع بين بلدتي والمركز، فارتديت فستاني، وصففت شعري، ووضعت قليلا من مساحيق التجميل، بدوت أكثر جمالا وأنوثة عما أبدو عليه في العادة. تأملت مظهري أمام المرآة، وجدت أني ما زلت أبدو جميلة ورشيقة. خطر في بالي في تلك اللحظة هيروكي، هو لا يعلم إلا ساي بملابس العمل. لا أعلم لم نحب أن يرانا من نعلم بإعجابه بنا ونحن في أجمل صورة؟ ما الفائدة من ذلك؟ إن كان هو في حالاتي العادية قد أعجب بشكلي! هل لنثبت لهم أننا أكثر جمالا، لذا رجاء أحبونا أكثر! لم هذا التصرف اللئيم؟ على أي حال فهو لن يراني ولن أراه. ذهبت إلى الزفاف وعندما وصلت كان أغلب المدعوين بصحبة أحد ما: زوج، أو شريك، أو خطيب، أو صديق، إلا أنا هنا وحدي. شعرت بشعور سيئ حيال ذلك، فلم أجد من أجلس معه أغلب الوقت. وأنا منذ انفصالي عن هاك لم أراقص رجلا ولم أسمح لأحدهم أن يتقرب مني أيا كان، فقد نشأت في بيئة متحفظة جدا، وتطبعت بطباع قد تكون مختلفة عن السلوك العام للفتيات ممن حولي، فأنا لا أتساهل كثيرا في تعاملي مع الرجال، ألتزم حدودا رسمتها لنفسي منذ أن كنت في عمر الرابعة عشر.
أمضيت وقتي في المراقبة والتأمل ولأول مرة أكون هادئة في حفل، كنت أراقب المدعوين ولا طاقة لي أن أجامل أي أحد. اشتقت أن أكون محور حياة أحدهم من جديد، اشتقت أن أشعر بدفء مشاعر أحدهم تجاهي، أن أسمع كلاما جميلا ورقيقا. ومن الطبيعي أن أرى وجهه في كل مكان هنا، نعم كنت أرى وجه هيروكي حولي، أعلم مجددا أنه ليس شعور الحب، إنما شعور الوحدة، وسيختفي كل هذا حالما أعود إلى منزلي. فمن الطبيعي أن أشعر بكل تلك المشاعر وأنا أرى صديقتي تزف إلى زوجها، وحين أرى نظراته لها ونظراتها له، وحين أرى رقصتهما معا. شعرت بتعب ولم أستطع إكمال حفل الزفاف، قمت بتوديع الجميع وانطلقت نحو سيارتي فأمامي طريق ليس بالقصير لكي أصل إلى بلدتي.
Halaman tidak diketahui