Suara Dalam: Bacaan dan Kajian dalam Falsafah dan Jiwa
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genre-genre
لذا فعلى الرغم من أن المذهب المطلق محافظ بمعنى أن الشخصيات الأكثر جسارة تعده مذهبا عتيق الزي، فإنه ليس بالضرورة محافظا بمعنى التشبث الأعمى بالأفكار والنظم الأخلاقية القائمة. وإذا كان أصحاب المذهب المطلق محافظين أحيانا بهذا المعنى أيضا فذلك شأنهم الشخصي؛ فمثل هذه محافظة عرضية وليست ضرورية للمذهب المطلق. وثمة سبب منطقي في حقيقة الأمر يمنع صاحب المذهب المطلق من أن يكون شيوعيا أو فوضويا أو سورياليا أو من دعاة الحرية الجنسية. صحيح أنه عادة ليس واحدا من هؤلاء، ولكننا قد نعلل ذلك بأسباب شتى ليس من بينها المنطق الصرف الذي يقوم عليه موقفه الأخلاقي؛ فصاحب المذهب المطلق ليس ملتزما إلا برأي واحد: أن كل ما هو صواب أخلاقيا (سواء أكان الحرية الجنسية أو واحدية الزواج أو العبودية أو الكانيبالية أو التغذية النباتية ) فهو صواب أخلاقيا لجميع البشر في جميع الأزمنة.
ويمضي صاحب المذهب المطلق عادة إلى أبعد من هذا، فيذهب إلى أن القانون الأخلاقي ليس فقط واحدا لجميع البشر على هذا الكوكب (الذي لا يعدو بعد كل شيء أن يكون ذرة دقيقة في الفضاء)، بل إن القانون الأخلاقي، بشكل ما وبمعنى ما، يسري على كل مكان في العالم (يسري على كل الكائنات العاقلة شاملة الملائكة وأهل المريخ إن كانوا كائنات عاقلة). وهو خليق أن يرى القانون الأخلاقي جزءا من بنية الكون الأساسية.
13
يرى ولتر ستيس أن هناك أسبابا تاريخية (كشيء مختلف عن المبررات المنطقية) أسهمت في انتشار المذهب المطلق وجعلت منه تفسيرا مقبولا للأخلاقية كما تفهمها الشعوب الأوروبية. من هذه الأسباب اللاهوت المسيحي؛ فنحن، من وجهة نظر ستيس، نعيش في حضارة مسيحية نمت خلال ألفي سنة في تربة التوحيد المسيحي، ذلك أن التوحيد متأصل في طريقة تفكيرنا في جميع الأمور بما فيها الأفكار الأخلاقية، ولا يمكن الفكاك منه خلال جيل أو جيلين، وما كان لموجة الشك الديني التي اجتاحتنا خلال العقود الأخيرة أن تقتلعه، فالشخص منا يتشربه منذ الصغر فتتشكل به قوالبه الذهنية. إن الأفكار الأخلاقية حتى عند أعتى المناوئين للعقائد المسيحية بفكرهم إنما هي أفكار مسيحية! وربما سيبقى هذا هو وجه الأمر لقرون عديدة قادمة، حتى إذا انتهى المطاف باللاهوت المسيحي، بوصفه مجموعة من الاعتقادات الفكرية، إلى الإمحاء ورفضته كل الأذهان المثقفة، وربما سيبقى ما بقيت حضارتنا. إنها متشكلة بالتوحيد المسيحي ولا يمكنها أن تنضو عنها هذا التأثير في أي وقت من عمرها، تماما مثلما يتعذر على الطفل أن ينضو عنه التأثيرات الأخلاقية التي تشربها منذ نعومة أظفاره وتشكل بها مهما أدخل على نتائجها فيما بعد من تعديلات طفيفة، ومهما اعتراه في الكبر من تغيرات في العقيدة الفكرية.
ليس من الصعب أن نتبين الصلة بين المذهب المطلق والتوحيد المسيحي؛ فإبان سيطرة الشريعة المسيحية كان الرأي أن الأخلاقية تصدر عن إرادة الله وهي مصدر واحد وكاف تماما، ولا معنى إذن عند المؤمن البسيط لأن يسأل عن أسس الأخلاقية والواجب الأخلاقي، فمجرد السؤال عن هذا الأمر يحمل شبهة الارتياب ويعد علامة على شك ديني استهلالي. إن واضع القانون الأخلاقي هو الله، فالذي يرضي الله ويأمر به الله فهو تعريف الصواب، والذي يغضب الله وينهى عنه الله فهو تعريف الخطأ. وبما أن الله واحد وعقلاني ومتسق مع ذاته ومنزه عن النزوات والتقلبات فإن إرادته وأوامره لا بد أن تكون واحدة في كل زمان ومكان. وإذا كان الوثنيون يرون رأيا أخلاقيا آخر فليس ذلك إلا لأنهم يجهلون الإله الحقيقي، ولو أنهم عرفوه لكانت قواعدهم الأخلاقية هي قواعدنا.
إن عقائد تعدد الآلهة تحتمل عددا من الشرائع الأخلاقية المتباينة؛ لأن إله الغرب قد تكون له آراء مختلفة عن إله الشرق، وإله الشمال قد يأمر عباده بأوامر مختلفة عن إله الجنوب. أما الدين التوحيدي فليس فيه غير عالم واحد وأخلاق مطلقة، ذلك هو السبب في أن المذهب المطلق كان حتى عهد قريب هو مذهب الفلاسفة، بل كان يسلم به تسليما دون أي جدل.
14
النسبية الأخلاقية
يذهب ولتر ستيس إلى أن النسبية الأخلاقية هي جزء لا يتجزأ من النزعة الثورية في العصور الحديثة، وأنها بخاصة جزء من انهيار الاعتقاد في دوجماويات الدين التقليدي. فقد كان المذهب التقليدي مدعما بالتوحيد المسيحي، فلما انحسر هذا الدعم مع انتشار الشك الديني في هذا العصر، أخذ المذهب المطلق في الانهيار. إن الحركات الثورية، كقاعدة عامة، هي حركات سلبية صرف، ولا سيما في بدايتها، فهي تهاجم وتهدم؛ لذا فالنسبية الأخلاقية هي في جوهرها مذهب سلبي خالص. النسبية الأخلاقية هي، ببساطة، إنكار للمذهب المطلق (ومن ثم كان فهمها منوطا بفهم المذهب المطلق) أي إنكار أن يكون هناك معيار أخلاقي واحد صالح لكل زمان ومكان: ليس ثمة قانون أخلاقي واحد أو دستور واحد أو معيار واحد، بل هناك قوانين أو دساتير أو معايير أخلاقية عديدة؛ الدستور الأخلاقي الصيني مثلا يختلف عن دستور الأوروبيين تمام الاختلاف، ودستور البدائيين الأفريقيين يختلف عن كلا الاثنين تمام الاختلاف. كل أخلاقية ، إذن، هي منسوبة إلى الزمن والمكان والظروف التي وجدت فيها ، ومن ثم فهي ليست مطلقة بأي معنى من المعاني.
ليس يعني ذلك، كما قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، أن ما «يعتقد» أنه فعل صائب في بلد وعصر ما قد «يعتقد» أنه خطأ في بلد آخر وعصر آخر، فهذا أمر غني عن القول ويعرفه القاصي والداني ويسلم به الجميع حتى صاحب النزعة المطلقة (بل هو يؤكده وينطلق منه ليصل إلى أن بعض هذه الدساتير الأخلاقية زائف). إن داعية النسبية الأخلاقية لا يقول فحسب بأن هناك شرائع أخلاقية مختلفة باختلاف القوام واختلاف الأعصر، فهذا «قول نافل»
Halaman tidak diketahui