Suara Dalam: Bacaan dan Kajian dalam Falsafah dan Jiwa
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genre-genre
من العجيب حقا أن الناس بصفة عامة لا تجد صعوبة في هذه المسألة! وعلى الرغم من الاختلاف البين في هذه القواعد بين عصر وعصر وبين بلد وبلد، اختلافا يجعل كل عصر وكل بلد شيئا عجيبا في عين العصر الآخر والبلد الآخر؛ على الرغم من ذلك فإن الناس في أي عصر وأي بلد تبدو لهم القواعد التي يرونها حولهم أمرا واضحا بذاته ولا يحتاج إلى تبرير، وكأنها مسألة تجمع البشرية عليها في كل زمان ومكان، وليس ذلك كله سوى وهم عام، وهو أحد الأمثلة على التأثير السحري للعادات الاجتماعية. وهذه العادات كما يقول المثل السائر هي «طبيعة ثانية»، غير أن الناس ما فتئوا يخطئون فيظنونها «طبيعة أولى».
يقول مل إن تقرير مبدأ غاية في البساطة هو الهدف من مقاله «عن الحرية» بوصفه مقالا معنيا حصرا بما يجوز وما لا يجوز للمجتمع في تعامله مع الفرد بطريق القهر والسيطرة، سواء كانت الوسائل المستخدمة هي القوة المادية في صورة عقوبات قانونية أو في صورة إكراه أدبي يمارسه الرأي العام. يفيد هذا المبدأ أن الغاية الوحيدة التي تبرر للبشر، فرادى أو جماعات، التدخل في حرية الفعل الخاصة بأي واحد منهم هي حماية أنفسهم منه، وأن الغرض الوحيد الذي يحق فيه استخدام القوة ضد أي عضو في مجتمع متحضر، هو منعه من الإضرار بالآخرين. إن استخدام القوة لمصلحة الفرد المادية أو الأدبية ليس مبررا كافيا؛ إذ لا يحق لأحد أن يجبره على أن يفعل شيئا أولا يفعل لأن ذلك خير له، أو لأن ذلك سوف يجعله أسعد حالا، أو لأن الآخرين يرون من الحكمة، أو حتى من الصواب، أن يفعل ذلك، فتلك مبررات وجيهة للاعتراض عليه أو مناقشته أو محاولة إقناعه أو استعطافه، وليس لإكراهه أو إلحاق أي أذى به إن هو فعل غير ذلك؛ فلا شيء يبرر ذلك إلا أن يكون السلوك الذي يراد صرفه عنه من شأنه ومن المقدر له أن يلحق الضرر بالغير. إن الجانب الوحيد من سلوك الفرد الذي يجعله مسئولا أمام المجتمع هو ذلك الجانب الذي يمس الآخرين ويعنيهم، أما الجانب الذي لا يمس غير صاحبه فإنه يخصه وحده وله فيه مطلق الحق، إنما الفرد على نفسه وبدنه وعقله سلطان.
يرى مل أن هناك، في المجتمع، دائرة للفعل خاصة بالفرد وحده وليس للمجتمع فيها، كمقابل للفرد، سوى مصلحة غير مباشرة. تشمل هذه الدائرة كل ذلك النطاق من حياة الشخص وسلوكه الذي لا يؤثر إلا عليه، أو إذا أثر على غيره فبرضاهم ورغبتهم الحرة وموافقتهم ومشاركتهم طواعية ومن غير خداع.
تلك إذن هي منطقة الحرية البشرية وتشمل:
أولا:
مجال الوعي الباطن الذي يقتضي حرية الضمير بأوسع معنى لها: حرية الفكر والشعور، الحرية المطلقة للرأي والعاطفة في جميع الأمور عملية كانت أو نظرية أو علمية أو خلقية أو لاهوتية. وقد تبدو حرية التعبير عن الآراء ونشرها خاضعة لمبدأ آخر ما دامت تلحق بذلك الجانب من سلوك الفرد الذي يمس الآخرين، ولكن بما أن حرية التعبير والنشر لا تقل أهمية عن حرية الفكر ذاته، وبما أنها ترتكز إلى حد كبير على نفس المبررات، فإنها لا يمكن عمليا فصلها عن حرية الفكر.
ثانيا:
حرية الميول والأذواق والمشارب، وحرية تخطيط حياتنا وفقا لشخصيتنا الخاصة، وحرية أن نفعل ما نهواه متحملين تبعته دون إعاقة من جانب رفاقنا من الخلق، ما دام فعلنا لا يلحق بهم ضررا، مهما بدا لهم تصرفنا أحمق أو شاذا أو خطأ.
ثالثا:
يترتب على هذه الحرية الخاصة بكل فرد، وداخل نفس الحدود، حرية اجتماع الأفراد وحرية تضامنهم لتحقيق أي غرض لا يتضمن الإضرار بالآخرين؛ بافتراض أن الأشخاص المجتمعين بالغون راشدون غير مكرهين أو مخدوعين.
Halaman tidak diketahui