Suara Dalam: Bacaan dan Kajian dalam Falsafah dan Jiwa
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genre-genre
من أبرز الداعين إلى النظرية الذاتية في الجمال. وضع دوكاس «إعلانا للاستقلال في أمور الذوق في الفن!» وزعم أن ثمة مجالا يكون فيه كل فرد ملكا ذا سلطان مطلق، وإن يكن ذلك على نفسه فقط - هذا هو مجال القيم الجمالية. تستند هذه النظرية إلى أن الجمال أمر ذاتي خالص، فعندما نقول إن موضوعا معينا له قيمة جمالية، فنحن إذ ذاك إنما نصف مشاعرنا ولا نشير إلى أية سمات موضوعية. فأحكام الجمال تتصل بالعلاقة بين الموضوع المحكوم عليه وبين تجربة الاستمتاع الخاصة لدى الفرد، وهي التجربة التي لا يمكن أن يلاحظها أو يحكم عليها أي شخص سواه. وهنا لا يعود الاختلاف بين القيم يثير أي إشكال؛ فمن الطبيعي أن يكون للأشخاص المختلفين تكوين مختلف، ومن الطبيعي أن يشعر أحدهم بلذة في إدراك عمل فني ما بينما لا يشعر الآخر بشيء من ذلك. ولسنا مضطرين إلى أن نقرر أيهما «الصحيح»؛ فالجمال ليس سمة موضوعية حتى تنطبق عليه مقولتا الصواب والخطأ، أو الحق والباطل.
ويضرب دوكاس مثلا بطعم ثمرة الأنانس: فبعض الناس يحبونه، وبعضهم الآخر لا يحبونه، ولكن من العبث القول إنه لذيذ بحق على الرغم من نفور البعض منه، أو رديء بحق على الرغم من ميل البعض إليه. وبذلك يتخلص دوكاس من مشكلة التقدير الجمالي بأسرها؛ فالتقدير هو مجرد تسمية أخرى ل «ما يحبه المرء أو لا يحبه»! ولا يمكن أن يثار بعد ذلك أي سؤال.
82
هناك أشخاص ذواقون للجمال، غير أن أحكامهم عن الجمال ليست «ملزمة» لأحد، بل إن من الصعب أن نفهم ما الذي يمكن أن يعنيه لفظ «ملزم» في هذا السياق، ما لم يكن إلزاما للآخرين بأن يكذبوا (!) بشأن المشاعر الجمالية التي قد تكون لديهم بالفعل وقد لا تكون. هناك بالطبع ذوق سليم وذوق رديء. غير أن الأذواق لا يمكن إثباتها أو تفنيدها، بل يمكن أن «توصف» فحسب، أي أن تمتدح أو تذم.
ومهما حاولنا نقد النظرية الذاتية «من الداخل» امتنعت علينا وتحصنت بمنطقها الخاص. والحق أن النظرية الذاتية في الذوق الجمالي شديدة الاتساق الداخلي وصعبة التفنيد من هذه الجهة، غير أنها سهلة المنال «من الخارج» إن صح التعبير! إن نظرية التقدير الجمالي ليست نسقا صوريا استنباطيا كالنسق الرياضي، بل إن الاتساق المنطقي ليس هو المعيار الوحيد. فالمقصود من أية نظرية في التقدير أن تفسر أوجه النشاط التي نقوم بها باسم الحكم والنقد، وهي مسئولة عن تفسير وقائع تجربتنا. غير أن النظرية الذاتية تتركنا في العراء ولا تفسر لنا أمورا كثيرة! لا تفسر ما نقوم به بالفعل من أحكام نقدية نضعها ونرى لها وجها ومعنى، ونقدم لها أسسا وطيدة ومبررات كافية. كما أننا لو سلمنا بالنظرية الذاتية لاستحالت أشياء كثيرة نراها وقائع قائمة لا سبيل إلى إنكارها وغض الطرف عنها. وبتعبير آخر فإن النظرية الذاتية تؤدي إلى ما نسميه في المنطق «الخلف»
reductio ad absurdum :
لو سلمنا بالنظرية الذاتية لاستحالت المقارنة بين الأذواق ووقعنا في فوضى جمالية (مثلما توقعنا النسبية الأخلاقية في فوضى أخلاقية).
لو سلمنا بالنظرية الذاتية لم يعد هناك مكان للذواقة والخبير والناقد.
لو سلمنا بالنظرية الذاتية لامتنعت التربية الجمالية وتحسين الذوق.
وفي الطرف المقابل للنظرية الذاتية تقف «النزعة الموضوعية أو المطلقة»، مؤكدة أن القيمة الجمالية تكمن في العمل الفني نفسه، وأن حكم القيمة لا ينطوي على أي إشارة إلى المتلقي أو إلى أي شيء آخر غير العمل الفني، وأن الجمال شيء موضوعي موجود في بعض الأشياء دون بعضها الآخر. ونحن في التجربة الجمالية لا نشعر أننا نفعل بل ننفعل، لا نشعر أننا «نسبغ» بل «نكتشف» - نكتشف شيئا كان هناك طوال الوقت، وكل ما نفعله هو أن «نفتح عيوننا للجمال».
Halaman tidak diketahui