Suara Dalam: Bacaan dan Kajian dalam Falsafah dan Jiwa
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genre-genre
لا «وصفة»
prescription ، وصفا لما هو كائن لا احتفاء بما ينبغي أن يكون، رصدا لحال الأشياء لا ارتكانا إلى هذا الحال والتعبد له. ذهب ورف على سبيل المثال إلى أن بعض اللغات تفضي إلى صورة للعالم أدق مما تفضي إليه اللغات الأخرى. والحق أنه كان يرى أن «نظرة العالم» القائمة في لغة الهوبي تفوق تلك القائمة في اللغات الهندوأوروبية في نواح عديدة.
في مقاله «علاقة التفكير والسلوك الاعتياديين باللغة» يقول ورف إن نعت «فارغ» حين يلصق ببرميل بنزين يصبح حاملا لخطر الحريق! إن الموقف هنا خطر من الوجهة المادية. غير أن الضرورة اللغوية تضطرنا إلى استخدام لفظة توحي بالخلو من الخطر، وتضرب صفحا عن «امتلاء» الوعاء في حقيقة الأمر ب «الأبخرة» وبقايا السائل والمخلفات القابلة للاشتعال. هكذا يتبين أن لفظة واحدة قد تستعمل لوصف زمرة متنوعة من ظواهر العالم، وأن «الخريطة» اللغوية تقدم ل «الإقليم» الواقعي صورة مبسطة تبسيطا مخلا. على المرء أن يتفطن إلى ذلك القصور في الخريطة وألا يترك وعيه المباشر بالواقع مغيبا أو مرتهنا لوساطة الخرائط.
يشير ورف أيضا إلى عيوب كبرى تكمن في اللغة الإنجليزية وعائلتها، منها على سبيل المثال ذلك الخلط بين الجمع الحقيقي والجمع الخيالي: حين نقول مثلا «عشرة رجال» و«عشر ساعات» فإننا نقيم في حقيقة الأمر مماثلة زائفة بين مجالين أنطولوجيين مختلفين، بنفس الضرورة التي جلبنا بها في المثال السابق خطر الحريق! ذلك أن لغتنا تخلط بين موقفين مختلفين لأنها لا تملك غير نمط واحد لوصف كليهما. أما لغة الهوبي فهي عند ورف معفاة من هذا القصور؛ لأنها لا تستخدم الجموع والأعداد الأصلية إلا لوصف الكيانات التي تكون، أو يمكن أن تكون، زمرة موضوعية.
يبدو عمل ورف في جملته كأنه دفاع عن النسبية التصورية وعن الثقافات الأمريكية القديمة وتبرئتها من وصمة «البدائية» حين تستخدم هذه اللفظة بمعنى ازدرائي. ويبدو عمله أيضا كأنه دعوة إلى اندماج أو شراكة بين العلم والثقافة، وإلى تحالف عقلاني بين اللغة والفكر والواقع. وهو بهذا التوجه يظل نقدا دائما للغة القياسية الأوروبية كنموذج للواقع، ورفعا للغة الهوبي فوق عائلة اللغات الأوروبية، لأنها أقل ميلا من هذه اللغات للتشييء الكاذب والتجريد الزائف والتحولات الاستعارية المضللة بين مجالات أنطولوجية مختلفة. إن الصيرورة والذاتية والفهم النسبي للزمان لتتراصف في الإنجليزية جنبا إلى جنب مع النزعة الماهوية والأضداد الزائفة والثنائيات غير الصحيحة. ويخلص ورف من تحليلاته إلى أن اللغات الأخرى كالهوبي هي أكثر اقترابا من روح العلم الحديث! وأنها يمكن أن تكون نموذجا يصحح للفكر الغربي أخطاءه ويقوم زيغه، كما تنطوي أعماله على دعوة إلى حماية اللغات المتعددة من الاندثار، ما دامت كل لغة تقدم لنا استبصارات فريدة عن العالم وآلياته، وتصنيفا معقدا لأشياء الطبيعة وكائناتها، وفهما معينا للمكان والزمان.
تريد النسبية الوصفية التي قال بها ورف أن تلفت النظر إلى كل تلك اللغات الأخرى التي تطورت بشكل مستقل، ووصلت من ثم إلى تحليلات مبدئية مختلفة على أنها منطقية بنفس الدرجة، وتجد فيها الترياق الضروري لذلك التضييق والتقييد الذي تخلقه حتمية اللغة الواحدة وتفرضه على العالم. كان ورف، شأنه شأن زميله النسبي أينشتين، كوزمولوجيا يريد أن يحث معاصريه الضيقي الأفق على أن يكفوا عن النظر إلى بضع لهجات حديثة من الفصيلة الهندوأوروبية، وآليات التعقل التي نجمت من أنماطها، على أنها ذروة تطور العقل البشري، وألا يعزوا انتشارها الواسع إلى أنها أصلح للبقاء ولا إلى أي شيء عدا بضع وقائع عرضية أو ظروف تاريخية، ظروف لا يمكن أن تدعى سعيدة إلا من وجهة النظر الضيقة للأطراف المحظية. هذه اللهجات، وعملياتنا الفكرية المرتبطة بها، لا ينبغي بعد أن نعتبرها مستغرقة لكل مطياف العقل ومحيطة بكل درجات المعرفة، إن هي إلا كوكبة واحدة في مجرة هائلة الاتساع. ومن يدرك حق الإدراك ذلك التنوع المذهل للأنساق اللغوية التي تمتد على وجه البسيطة يأخذه شعور مطبق بأن الروح البشرية أقدم من المتصور، وأن بضعة الألوف من سني التاريخ الذي تشمله سجلاتنا المدونة لا تتجاوز سمك خط قلم على المقياس الذي يقيس ماضي خبرتنا على هذا الكوكب، وأن الجنس البشري لم يحرز نموا مفاجئا لا حقق ولافا جبارا خلال هذه الألوف الحديثة من السنين. ولم يعد أن لعب ببضع صيغ لغوية ونظرات عن الطبيعة ورثها من ماض قديم موغل في القدم.
55 (3) النسبية: نظرة عامة
نحن لا نرى الواقع كما هو، وإنما نراه كما نحن!
أناييس نين
ليست «النسبية»
Halaman tidak diketahui