ذكر هذا الجواب طوائف من المالكية والشافعية والحنبلية: منهم القاضي أبو يعلى وأبو إسحاق الشيرازي وأبو الوفاء بن عقيل وغيرهم ومن أجاب بهذا جعل الأمان كالإيمان في انتقاضه بالشتم ونحوه.
وفي هذا الجواب نظر لما روي ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: "إن اليهود إذا سلم أحدهم فإنما يقول السام عليكم فقولوا: عليك ".
وعن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم " متفق عليهما.
فعلم أن هذا سنة قائمة في حق أهل الكتاب مع بقائهم على الذمة وأنه ﷺ حال عز الإسلام لم يأمر بقتلهم لأجل هذا وقد ركب إلى بني النضير فقال: "إذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم" وكان ذلك بعد قتل ابن الأشرف فعلم أنه كان بعد قوة الإسلام.
نعم قد قدمنا أن النبي ﷺ كان يسمع من الكفار والمنافقين في أول الإسلام إذا كثيرا وكان يصبر عليه امتثالا لقوله تعالى: ﴿وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُم﴾ لأن إقامة الحدود عليهم كان يفضي إلى فتنة عظيمة ومفسدة أعظم من مفسدة الصبر على كلاماتهم.
فلما فتح الله مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا وأنزل الله براءة قال فيها: ﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ وقال تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ إلى قوله: ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ .