وفهمت ما تعنيه، والحق أن أمي لم تزر بيت خطيبتي منذ إعلان الخطبة إلا مرة واحدة تحت ضغط وإلحاح، فقلت في ارتباك غير قليل: لقد اعتادت أمي الوحدة .. ولم تألف الزيارات قط.
وقصصت عليهم جانبا من حياتي، متحاميا الفجوات التي لا تطيب ذكراها.
ولا أنكر أن ملاحظة نازلي هانم أزعجتني، وذكرتني بأمور أخافها، فدعوت الله مخلصا أن يقيني مغبة الشقاق في حاضري ومستقبلي.
وفي مرة، وكنت جالسا إلى فتاتي وأمها فقط، واتتني الشجاعة فذكرت عهد تطلعي الصامت إلى «رباب»، وعجبت كيف انتهت إلى هذا الختام السعيد وهو ما لم أكن لأحلم به! وضحكت حبيبتي وقالت: ومع ذلك فلم تكد تخطو خطوة واحدة حتى تم كل شيء في غمضة عين!
وقالت نازلي هانم: طالما تساءلنا: ماذا يريد هذا الشاب؟! ولشد ما حذرت «رباب» أن تكون من الشبان الذين يطاردون الفتيات في الطريق! وقدرنا في وقت ما أنك مشغول بالتحري عنا كما يفعل طلاب الزواج. فلما طال ترددك بعد ذلك داخلني استياء وتساءلت عما لم يعجبك فينا؟!
فقلت مرتبكا متألما: ما فعلت شيئا من هذا، وحتى الأسماء ظللت على جهلي بها حتى اللحظة الأخيرة!
وكان لدي من المال ما يعد بالقياس إلي ثروة، فأغدقت على حبيبتي الهدايا، وجعلت من شقيقتي راضية مشيرتي في هذه الأمور التي أخفيتها عن أمي، فمحضتني المشورة وأرشدتني إلى «الواجب»، وخاصة في المواسم كعيد الفطر وعيد الأضحى، فأصبحت بفضل رأيها خطيبا مشرفا.
وظلت العلاقة بيني وبين أمي على ما يرام، على الأقل في الظاهر، وحرصت على أن أشركها في مهمة الإعداد للحياة الجديدة لتبدو وكأنها تباركها، فكلفتها بأن تبحث لنا عن شقة جديدة، ووقع اختيارها على عمارة في شارع قصر العيني على بعد محطات ثلاث من عمارة حبيبتي، ولم يبدر منها ما يعكر صفوي، ولكنها بدت كشخص مغلوب على أمره، تزحزح على رغمه إلى هامش الحياة، فانطوت على نفسها انطواء لم أجد في معالجته حيلة، وقطع قلبي. ولكن لم يكن في وسع شيء في الوجود أن يعتاق تيار السعادة المتدفق الذي يسكرني ليل نهار. والواقع أن تلك الفترة من حياتي هي أسعد ما لقيت في الدنيا من أيام!
39
وقالت لي نازلي هانم يوما، وكانت الأسرة قد أعدت عدتها للزواج: إن رباب أول عهدنا بالأفراح، فينبغي أن تكون ليلتها بالغة المسرة.
Halaman tidak diketahui