فتأوهت قائلا: أماه، إنك تحزنينني. - لا عاش من يحزنك .. الأم التي تحزن وليدها لا تستأهل نعمة الحياة .. ولكنك تقول على نفسك بالباطل وتزعم أنك كبرت .. يا لك من طفل مكابر! .. لكأني أراك تحبو، وأنت تركب منكبي ، ثم وأنت تختال في بزة الضابط وضفيرتك تتهدل على كتفك، فكيف تدعي الكبر؟!
فقلت مغتما: ألست على عتبة الثامنة والعشرين؟! - أصغر أبنائي على عتبة الثامنة والعشرين! يا لي من امرأة عجوز! لتكن مشيئتك .. ومهما يكن من عمرك فستكون أصغر الأزواج، وسأفرح بك فرحا ليس وراءه مذهب لفرحان. ولكن ما بالك واجما .. أساءك كلامي؟ يعلم الله أني لا أحسن الكلام، ولكن الموت أحب إلي من الإساءة إليك!
فقلت بقلب ثقيل: سامحك الله يا أماه!
فابتسمت .. إي والله ابتسمت وقالت مصطنعة المرح: لندع هذا جانبا، ولنقدم الأهم على المهم .. أصغ إلي يا كامل، تزوج بالهناء والسرور، وسأخطب لك إذا أمرتني.
فترددت لحظة ثم تملكني الضيق فقلت: ليس ثمة اختيار، فقد وقع اختياري.
فرنت إلي بدهشة، ولاذت بالصمت مليا، ثم تساءلت: متى تم ذلك؟ - منذ زمن يسير!
فلاحت في عينيها نظرة لوم وعتاب كأنما عز عليها أن أكتمها هذا الأمر الخطير، ثم خفضت عينيها في استسلام، وسألت بصوت هادئ، بل هادئ جدا: من؟ - لا أدري بالضبط، الراجح أنها مدرسة، وهي تقطن العمارة البرتقالي أمام القصر العيني.
فعاودتها الدهشة، وتساءلت: ألم تحدث بأمرها أحدا؟! - مطلقا!
فتفكرت مليا ثم واصلت حديثها: أليس من المحتمل أن تكون مخطوبة، (وهنا خفق قلبي بعنف) .. ثم ألا تدري عن أهلها شيئا؟ .. من أبوها؟ - لا أدري! - ألم أقل لك إنك طفل .. الزواج أخطر مما تظن. لعل وجهها أعجبك، وهذا شيء لا وزن له. المهم أن تعلم أية فتاة هي وأي قوم أهلها، وما مكانتها؟ وما أخلاقهم؟ الشاب في الواقع يتزوج من أسرة لا من فرد، وينبغي أن يطمئن قبل أن يخطو الخطوة الأخيرة إلى من ستغدو أما لأبنائه ومن يكونون أخوالا لهم.
وتولاني الارتباك، وأحسست بحنق لأول مرة فقلت بيقين: أسرتها كريمة .. لا يداخلني في هذا شك. - ومن أدراك؟
Halaman tidak diketahui