ورمقتها بنظرة مستريبة وسألتها بصوت منخفض: هل علمت كيف ماتت؟
فعاودها البكاء وهي تقول: كلا يا بني! ولا زلت في حيرتي وذهولي، أسفي على الشابة المسكينة، كيف وافاها الأجل على غير ميعاد؟
وداخلني ارتياح سرعان ما فتر وخمد .. ففيم أخدع نفسي براحة كاذبة وما من قوة في الأرض تستطيع أن تواري فضيحتي؟ وأضجرني بكاؤها، ووقر في نفسي أنه أمارة حزن كاذب مما يصطنعه النساء، فقلت بفظاظة: ماتت كما يموت الناس آناء الليل وأطراف النهار، وكما مات جدي وأبي وكما سنموت جميعا!
وضغطت على «جميعا» في حنق، ثم بادرتها متسائلا في سأم: لماذا تبكين؟
فرنت إلي خلال دموعها بوجوم وكآبة وتمتمت: وددت لو كنت فداءها.
فغلبني الانفعال وقلت بحدة: كذب! .. محال أن يرضى إنسان بأن يفتدي آخر من الموت .. أكنت تقولين هذا لو كانت ما تزال على قيد الحياة؟!
وأحدقت في وجهي بارتياع، ثم غضت بصرها في وجوم وألم، وساد الصمت مليا، حتى خرقته متمتمة: أسأل الله أن ينزل سكينته على قلبك.
فقلت بجفاء: لا حاجة بي إلى الدعاء. بيد أنني أكره الرياء، ولا يمكن أن أنسى أنك أبغضتها حتى قبل أن تقع عليها عيناك.
فرفعت إلي وجهها في استعطاف وألم وقالت: كامل! رحمة بأمك .. يعلم الله أنني لا أخادعك، ولكن مثل ما كان بيننا من نقار لا يكاد يخلو منه بيت!
ولكني لم أرحمها، ولم أفهم في الوقت نفسه كنه القوة التي دفعتني إلى تذكيرها بالماضي الأسيف، كأنما آسى حقا على «رباب»، بل غاليت في الحنق عليها كما لو كانت السبب فيما حل بي من كارثة، وضاعف من حنقي ما وقع في نفسي من أنها تداري بهذا الحزن فرحا وشماتة، فأردفت في غضب قائلا: الحق أن الدنيا لا تسعك من الفرح! .. إني أعرفك حق المعرفة كما أعرف نفسي سواء بسواء، فلا تحاولي خداعي، إنك تدارين فرحك بهذه الدموع الكواذب.
Halaman tidak diketahui