فانفلت لساني يقول: هذا غير معقول.
فضربت الأرض بقدمها وقالت وقد لاح في وجهها الألم والتعاسة: أتكذبني يا كامل بعد أن صارحتك الحقيقة؟ إني لا أحتمل هذا .. فاستطردت قائلا وقد نال مني تألمها: أعني ماذا يفيده الخطاب إذا لم يترك به إشارة تدل عليه؟ ألم يرسل لك خطابا قبله؟ - ... هذا أول خطاب أتلقاه! - وماذا كان به؟
فغضت بصرها وهي تقول بضيق: كلام سخيف عن الإعجاب والجمال!
ووثب إلى خيالي منظر يديها وهما تمزقان الخطاب، فلسعني الشك وانتفض جسمي في هلع فصحت بها وكأنني فقدت وعيي: لماذا مزقته؟ .. لماذا مزقته؟
فنفخت فيما يشبه اليأس، ولزمت الصمت مليا، ثم قالت بهدوء واستسلام: لقد تسلمت هذا الخطاب المشئوم في المدرسة، ولا أظنك تشك في هذا لأنه من الجنون أن يرسله إلى البيت! والآن اطرح على نفسك هذا السؤال: ما الذي يدعوني إلى الاحتفاظ بالخطاب وحمله إلى البيت إذا كان به ما يريب؟ لماذا لم أمزقه في المدرسة بعد قراءته؟!
وعقد الصمت لساني حيال وجاهة الحجة، ولعلي أسفت على ما بدر مني من صياح كاسر. أما «رباب» فعادت تقول: لو كنت مذنبة لما وجدتني بهذا الموقف السيئ، ولما علمت بشيء، وهيهات أن أغفر لك سوء ظنك بي!
فآلمني قولها، وداخلني شعور أليم بالخجل، فخفضت بصري أن ترى به آي الهزيمة. على أن ألمي لم ينسني ما أحب أن أجلوه من غامض الأمور، فقلت بصوت منخفض: إن قولك مصدق .. ولكن لعل صاحب الخطاب لم يوقع بإمضائه لظنه أنه من السهل الاستدلال عليه، كأن يكون ممن يعترضون سبيلك مثلا!
ولم يخفف لين نبراتي من ألمها، بل لعله جعلها تتمادى فيه، وقالت بامتعاض: من عادتي أن أسير فلا ألوي على شيء ولا ألقي بالا لإنسان.
لم أكن في حاجة إلى قولها وقد خبرته بنفسي، ولكن لاح لعيني شبحا الرجلين اللذين قاسماني الإعجاب بها فيما مضى، فقلت متسائلا: ألا يحتمل أن يكون جارك الذي شرع في طلب يدك .. أعني محمد جودت؟
فقالت بلا تردد: هذا رجل وقور لا ينزل لهذه الأساليب الوقحة، وفضلا عن ذلك فهو وشيك الزواج كما علمت منذ قرابة شهر في بيت أبي.
Halaman tidak diketahui