ماذا يقول؟ أيقول لا أذكر أنني رأيتك؟ أكان من الجائز إذن أن يراها ويهملها وينسى أنه رآها؟
أحس همام أيضا أن الكلمة لم توافق هواها، وسمعها تجيب بشيء من الامتعاض المكتوم كأنها تخاطب نفسها: ولماذا تدعوني يا آنسة؟ أتستصغرني؟ إنني ربة بيت، وأم! •••
يا للمرأة! أتريد أن يفهم أنها غضبت لأنه دعاها يا آنسة؟ لا والله! لقد كان بريق الرضى بهذه التسمية يومض في عينيها ... إنما عز عليها أنه جعلها شيئا مهملا يجوز أن يراه مرة أو مرات ثم ينساه، فأسفرت عن الغضب وسترت السبب، وتوارت وراء حجاب المجاملات والألقاب.
فأحب أن يغيظها قليلا وعاد يقول: ولكن السيدات يا آنسة ... يلبسن في أصابعهن علامة تسمى خاتم الزواج، فأين هذه العلامة؟
قالت: لذلك شرح يطول.
قال: عسى أن أسمعه في وقت قريب.
ثم اقتضب الحديث والتفت إلى شيخ متهدم يعبر الفناء، فسأل الخائطة: أهذا ضيف جديد عندك يا مدام؟
فزمت شفتيها لا يدري أهي مشمئزة من الرجل أم راثية لحاله، وقالت: ضيف، ولكن لا أظنه طويل المقام، ألا تراه يتعثر بقدميه؟ وفي أقل من دقائق لا تتجاوز الخمس عرف همام والفتاة كل ما تعرفه «ماريانا» عن الرجل وعاداته وأطواره، وثروته التي تربي على الألوف، ولا وارث له ولا قريب تلوذ به في شيخوخته الكئيبة.
قال همام: وما حاجته إلى البحث عن وارث؟ إن الورثة يبحثون عنه ولا يقصرون «عند اللزوم».
قالت: ألا يحتاج إلى من يعوله ويواسيه ويحف به وهو يودع دنياه.
Halaman tidak diketahui