ثم جاءت بعدها أيام.
وشتان أيام وأيام.
نعم شتان حقيقة وتمثيل ... وأي تمثيل؟! تمثيل اللاعب الذي يساق إلى دوره سوقا لأنه يخشى الفشل لا لأنه يأمل النجاح.
واستمرت المواعيد، واستمر اللقاء، واستمرت السآمة، واستمر الشقاق، واستمرت مع كل ذلك محاولات عقيمة مستميتة أن يعود ما لا سبيل إلى أن يعود.
وكانت هي تقلد نفسها في أيام الصفاء فتمد يدها إلى جيبه بعد عاصفة من اللوم الجارح والملاحاة الموجعة كما كانت تمدها إلى جيبه بعد ساعات الرضى والدلال لتخرج منه المفكرة المعهودة وتكتب فيها أسطرا أو كلمات تسجل بها ما كان في ذلك اليوم، فكتبت يوما بعد مقابلة لم يسمع فيها إلا جدال ومحال أو سكوت هو أثقل من الجدال والمحال: «نزهة رسمية في عربة، ثم مناقشة جدية، ثم مصافحة وتقبيل، ولا عجب في ذلك ... فإن الحب يسهر!»
نعم، يسهر من الأرق لا من العناية!
وسهر الحب إلى اليوم التالي فالتقيا وتراضيا وتناولت هي المفكرة وكتبت فيها خمس كلمات: «سامحت من غير سبب، أحبك.»
ولكنها كانت آخر ما كتبت في مفكرة ذلك العام، وفيما بعده من أعوام.
ومن الناس من يستطيب أمثال هذه المقابلات ولو لم يكن فيها إلا تمثيل ناجح أو تمثيل فاشل، وصاحبنا خليق أن يكون واحدا من هؤلاء الناس لو اقتصر الأمر على الفتور والتكلف والمناقشة والملال، ولكن الشيء الذي لا يطاق هو أن تشك ثم لا تستطيع أن تصل إلى الحقيقة، ولا أن تكف عن الشك ولا أن تستقر عليه، فإنها حالة لا يطاق لها دوام ولا بد لها من انتهاء.
فكيف هذا الانتهاء؟
Halaman tidak diketahui