فقال: - «كلمة واحدة - لا أكثر» - وشدها إلى صدره وعروقه تنبض بها الرغبة: «هل توافينني؟»
فارتجفت ليدا ولم تكن هذه أول مرة سألها ذلك، وكانت كل مرة تحس رجفات غريبة تسلبها إرادتها.
فسألته بصوت خافت وهي تحلم إذ تنظر إلى القمر: «لماذا؟» - «لماذا؟ لتكوني قريبة مني ولأراك وأحدثك. آه إنه لعذاب؟ نعم يا ليدا إنك تعذبينني. والآن هل توافينني؟»
قال ذلك وجذبها إليه بقوة الرغبة الجامحة به وكأنما لامسها منه حديد ملتهب سرت في أعضائها وقدته، وكأنما لفها ضباب كثيف حالم ضاغط، فتوتر جسمها اللين المرن ثم مالت إليه والسرور والخوف يرعشان منه. وعاد كل ما حولها وقد تغيرت وجوهه فجأة تغييرا عجيبا. ولم يعد القمر قمرا بل دنا فحاذى مظلة الشرفة وصار كأنما هو معلق فوق بساط الروضة. وحالت الحديقة عما عهدته وتبدلت أخرى غامضة مستبهمة زحفت إليها والتفت بها. وهاج ذهنها وتراجعت وتخلصت بفتور عجيب من عناق سارودين وتمتمت بصعوبة وقد جفت شفتاها وابيضتا: «نعم.»
وانقلبت إلى البيت بخطى غير ثابتة وأحست أن شيئا مرعبا إلا أنه مغر يجرها إلى حرف الهاوية. وقالت لنفسها وهي تفكر: «هذا كلام فارغ؟ وليس الأمر كذلك. إنما أمزح. ويلذ لي هذا ويسليني أيضا لا أكثر ولا أقل.»
وهكذا حدثت نفسها لتقنعها وهي تواجه المرآة المظلمة في غرفتها. ولم تر في صقالها إلا ظلها الأسود قبالة الباب الزجاجي لغرفة الطعام المضيئة. ورفعت ذراعيها في بطء فوق رأسها وتمطت في كسل وفتور وجعلت وهي تفعل ذلك تتأمل حركات عودها اللين وتحس لذتها.
أما سارودين فإنه لما صار وحده اعتدل ونفض عن أعضائه فتورها، وكانت عيناه مفتوحتين كمغمضتين وابتسم فالتمعت ثناياه تحت شاربه اللطيف.
وكان الحظ قد عوده أن يؤاتيه وتوقع في هذه المرة أن ينال من المتع واللذات ما هو أعظم في المستقبل القريب.
وتمثلت لعينه ليدا وجمالها المثير ساعة تبذل له منه وعصفت به هذه الصورة فأحس لها ألما جثمانيا.
وكانت ليدا في مبدأ الأمر - إذ هو لا يزال يتودد إليها وحتى بعد ذلك لما أذنت له أن يعانقها ويقبلها - لا تنفك تشعره شيئا من الخوف. وكان يطالعه من عينيها السوداوين - وهو يمسح بيده شعرها - شيء عجيب لا يفهمه كأنما تحتقره في سريرتها.
Halaman tidak diketahui