فقال سانين وقد سره خروج أمه: «أمعك سجائر؟»
فأخرج نوفيكوف علبة وهو يتريث في حركته وقال بصوت رقيق نبرات العتب: «لا يجمل بك أن تكايدها هكذا. إنها سيدة عجوز.» - «كيف كايدتها؟» - «إنك ترى ...» - «ماذا تعني بقولك «إنك ترى»؟ إنها هي التي لا تزال ورائي. وما أعرفني سألت إنسانا شيئا فكان ينبغي للناس أن يدعوني وشأني.»
وصمت كلاهما برهة ثم سأل سانين صاحبه: «وكيف الحال يا دكتور؟» وتأثر بلحظة الدخان المتصاعد من سيجارته وهو يتأوى فوق رأسه. - «الحال سيئ.» - «كيف؟» - «من كل وجه. كل شيء ممل وهذه البلدة الصغيرة تأخذ بمخنقي وليس ما يعمله المرء فيها.» - «ليس ما تعمل؟ إنك أنت الذي شكوت من أن الوقت لا يتسع للتنفس؟» - «ليس هذا ما أعني. إن المرء لا يستطيع أن يظل عمره يعود المرضى، ولا أحد غير المرضى، هناك حياة أخرى غير هذه.» - «وما يمنعك أن تحيا هذه الحياة الأخرى؟» - «هذه مسألة فيها بعض التعقيد والإشكال.» - «وما وجه الإشكال فيها؟ إنك شاب جميل معافى البدن، فماذا تبغي فوق هذا؟»
فقال نوفيكوف بتهكم خفيف: «هذا لا يكفي في رأيي.»
فضحك سانين وقال: «لا يكفي؟ إني أراه حظا عظيما.» - «ولكنه لا يكفيني» قالها ضاحكا بدوره.
وكان من الجلي أنه ارتاح إلى ما قاله سانين عن صحته وقسامته على أنه استحيا كالفتاة.
فقال سانين وكأنه يفكر: «ينقصك أمر واحد.» - «وما هذا؟» - «صحة الإدراك للحياة. إن الملل يجثم على صدرك. ولو أن ناصحا أشار عليك مع ذلك أن تنفض نعلك من هذا المكان وأن تخرج إلى الدنيا الرحيبة لأشفقت أن تفعل.» - «وكيف أخرج؟ كمتسول؟» - «نعم حتى كمتسول! إني كلما نظرت إليك قلت لنفسي: هذا رجل يستهين في سبيل إيتاء الدولة الروسية دستورا بأن يسجن في قلعة شلوسلبرج
1
بقيمة عمره وبأن يعقد كل حقوقه وحريته كذلك. ومع ذلك فما هو والدستور؟ وماذا يجنيه منه؟ أما إذا كانت المسألة مسألة تحول عن أسلوب ممل من الحياة وذهاب إلى جهات أخرى طلبا لمصالح ومتع أخرى راح يسأل نفسه: كيف أرتزق؟ ألست على كل صحتي وقوتي عرضة للأذى إذا لم يكن لي مرتب معين وإذا لم أوفق لذلك إلى الزبدة إلى جانب الشاي وإلى قمصان الحرير والياقات الصلبة وسائر ما هو من هذا بسبيل؟ لعمري إن الأمر مضحك!» - «لست أرى في الأمر شيئا مضحكا على الإطلاق، فإن المسألة في الحالة الأولى مسألة قضية، فكرة، أما في الثانية ...» - «ماذا؟» - «لا أدري كيف أعبر عما أريد» وعالج نوفيكوف أصابعه.
فقال سانين مقاطعا: «تأمل الآن! هذه طريقتكم أبدا في الفرار من الموضوع. ولن أصدق أبدا أن الشوق إلى الدستور أشد لحاجة في نفسك من الشوق إلى الانتفاع بحياتك على أتم وجه.» - «هذه مسألة متنازعة. وقد يكون الأمر كما ذكرت.»
Halaman tidak diketahui