الحمد لله الحي [الذي] لا يموت، والصلاة والسلام على سر اللاهوت والناسوت، وعلى آله وصحبه أهل الصلاة والزكاة والصيام والقنوت.
وبعد: فهذا (السنا والسنوت فيما يتعلق بالقنوت).
[مشروعية القنوت، واختلاف العلماء في موضعه]
اعلم أيدك الله أن الأمة أجمعت على مشروعية القنوت واستحبابه في الصلاة، واختلفوا في موضعه. فذهب الإمامان الشافعي ومالك إلى أنه في ثانية الصبح، ثم افترقا، فقال الشافعي: بعد الركوع، وقال مالك: قبله ويجزئ بعده.
وذهب الإمامان أو حنيفة وأحمد إلى أنه في أخيرة الوتر، ثم افترقا، فقال أحمد: بعد الركوع ويجزئ قبله، وقال أبو حنيفة: قبله.
وحكي وجه عن [ابن] أبي هريرة [من أصحابنا المتقدمين من أصحاب الوجوه] أنه لا يقنت في الصبح، قال في الروضة: وهو غريب وغلط.
Halaman 41
ويسن عند الشافعي في الوتر، ولأصحابه فيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه يستحب فيه جميع السنة، وهذا الذي دلت عليه الأحاديث الكثيرة الصحيحة، وثانيها: أنه في جميع رمضان وهو ضعيف، وثالثها: أنه في النصف الثاني منه، وهو الذي نص عليه الشافعي، وعليه أكثر أصحابه، ودل عليه بعض الأحاديث.
هذا في القنوت المعتاد.
[قنوت النازلة، وترجيح النووي أنه مستحب]:
وأما قنوت النازلة فجائز بل مندوب في جميع الفرائض عند الشافعي، وله قول ثان: أنه لا يقنت فيها مطلقا، وقول ثالث: أنه يقنت فيها مطلقا، كانت نازلة أو لم تكن.
وهل الخلاف في غير الصبح في الجواز أو الاستحباب؟
مقتضى كلام الأكثرين أنه في الجواز، ومنهم من يشعر كلامه بالاستحباب.
قال في الروضة من زيادته: [الأصح استحبابه، وصرح به صاحب العدة، ونقله عن نص الشافعي رضي الله عنه في الإملاء]. انتهى.
وقال في التحقيق: (أما سائر المكتوبات، فالمشهور يقنت لنازلة دون غيرها، والمختار أن الخلاف في الندب، ونص عليه في الإملاء، وقال الأكثرون: في الجواز.
Halaman 42
وقال في الأم: لا قنوت في العيد والاستسقاء، فإن قنت لنازلة لم أكرهه أو [لغيره] كرهته). انتهى.
وصح أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرا لذلك.
فلنشرع في ذكر أدلة كل قول اختصارا، ولنشر إلى الراجح منها، فأقول والله المأمول:
Halaman 43
[أدلة القنوت في الصبح]
أما القنوت في الصبح، فقد روى الحاكم في الأربعين، وقال: حديث صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا)). وأخرجه في كتاب القنوت.
قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الأذكار للنووي: (وسياقه فيه أتم). ثم ساق سنده.
[أسانيد المؤلف إلى تصانيف ابن حجر]:
ولنذكر سندنا إليه ثم نسوق أسانيده فنقول:
أخبرنا بجميع تصانيف الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله شيخنا الإمام العلامة المحقق الحافظ أبو عبد الله محمد بن علاء الدين البابلي، وبجميع ما يصح له روايته عن النور علي الزيادي والشيخ سالم السنهوري، عن الشمس محمد الرملي، عن الزين القاضي زكريا الأنصاري.
وحدثنا أبو الوفا العرضي عن والده عمر العرضي، عن الإمام العلامة ابن حجر الهيتمي، عن القاضي زكريا عن الحافظ ابن حجر.
Halaman 44
وأخبرنا الإمام مفتي الحنابلة بدمشق الشام شيخنا الشيخ عبد الباقي الحنبلي، عن الشيخ محمد حجازي الواعظ، عن ابن أركماس، عن الحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
ولنا إليه طرق كثيرة ليس هذا محل بسطها.
[تخريج حديث أنس: ((ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح ..))]
قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الأذكار في باب استحباب القنوت في الصبح ما نصه: (أنا أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك، أنا يونس بن أبي إسحاق العسقلاني، أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن المقير، عن أبي الفضل أحمد بن طاهر الميهني، أنا أبو بكر بن علي بن خلف الشيرازي، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا محمد بن عبد الله الشافعي، ثنا محمد بن إسماعيل السلمي، ثنا أبو نعيم، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس هو البكري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
((ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا)).
Halaman 45
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن عبد الرزاق فوقع لنا بدلا عاليا.
وأبو جعفر اسمه: عيسى بن ماهان، مختلف فيه وفي شيخه).
وبه إلى ابن حجر: (قرأت على فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة، أنا الحافظ أبو عبد الله المقدسي، أنا المؤيد الطوسي، أنا عبد الجبار بن محمد، أنا أحمد بن الحسين الحافظ، أنا أبو عبد الله الحافظ يعني الحاكم، ثنا محمد بن عبد الله الصفار، ثنا أحمد بن محمد بن مهران، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس رضي الله عنه قال:
((قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا ثم تركه، فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا)).
وأخبرني أبو محمد عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان، أنا أبو بكر بن أحمد الدقاق، أنا علي بن أحمد المقدسي، عن محمد بن معمر، أنا إسماعيل بن الفضل، أنا محمد بن أحمد بن عبد الرحيم، ثنا عمر بن علي بن عمر الحافظ، ثنا الحسين بن إسماعيل، أنا أحمد بن محمد بن عيسى، ثنا أبو نعيم، ثنا أبو جعفر الرازي قال:
كنت جالسا عند أنس بن مالك رضي الله عنه، فقيل له: أما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا؟
فقال: ((لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا)).
Halaman 47
وهكذا أخرجه الحاكم عن بكر بن محمد الصيرفي عن أحمد بن محمد بن عيسى وصححه، وهو على طريقته في تصحيح ما هو حسن عند غيره. انتهى كلامه في تخريج الأذكار.
وقال في تخريج الرافعي: (رواه الدارقطني من حديث عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بهذا، ومن طريق عبد الرزاق وأبي نعيم، عن أبي جعفر مختصرا، ورواه أحمد عن عبد الرزاق، ورواه البيهقي من حديث عبيد الله بن موسى وأبي نعيم، وصححه الحاكم في كتاب القنوت.
وأول الحديث في الصحيحين من طريق عاصم الأحول عن أنس ، وأما باقيه فلا، ورواية عبد الرزاق أصح من رواية عبيد الله بن موسى، فقد بين إسحاق بن راهويه في مسنده سبب ذلك، ولفظه عن الربيع بن أنس قال:
قال رجل لأنس بن مالك: أقنت رسول الله شهرا يدعو على حي من أحياء العرب؟
قال: فزجره أنس وقال:
((ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا)).
ثم ذكر اختلاف الناس في أبي جعفر قال: ووثقه غير واحد.
Halaman 48
[حديث آخر عن أنس يشهد لحديثه السابق]
ثم قال: (وقد وجدنا لحديثه شاهدا رواه الحسن بن سفيان عن جعفر بن مهران، عن عبد الوارث، عن عمرو، عن الحسن، عن أنس قال:
((صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يقنت في صلاة الغداة حتى فارقته، وخلف أبي بكر كذلك، وخلف عمر كذلك)).
وغلط بعضهم فصيره عن عبد الوارث، عن عوف، فصار ظاهر الحديث الصحة، وليس كذلك بل هو من رواية عمرو، وهو ابن عبيد، وهو رأس القدرية، ولا تقوم الحجة بحديثه).
Halaman 49
قلت: وفي الدر من طريق الدارقطني عنه بلفظ: ((صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته، وصليت خلف أبي بكر فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته، وصليت خلف عمر فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته)).
ومن طريقه عن أبي الطفيل، عن علي وعمار: ((أنهما صليا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقنت في الغداة)).
وعند البيهقي عن بريد بن أبي مريم قال: سمعت ابن عباس ومحمد بن علي بن الحنفية بالخيف يقولان:
((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهذه الكلمات: اللهم اهدني فيمن هديت .. .. )) بتمامه.
Halaman 50
[وجه الجمع بين حديث أنس السابق، وبين حديثه الآخر في مسلم]
أقول:
بالروايتين الأخيرتين عن أبي جعفر المصرح فيهما بترك القنوت فيما عدا الصبح ظهر وجه الجمع بين حديث أنس هذا، وبين حديثه الآخر عند مسلم: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه)).
وروى أبو هريرة وابن مسعود نحوه حيث لم يقل أنه قنت شهرا في صلاة الصبح ثم ترك، بل أطلق القنوت ثم استثنى صلاة الصبح من ترك القنوت فيها، فيحمل رواية الإطلاق على أنه قنت شهرا في بقية الفرائض غير الصبح ثم تركه فيها، وأما الصبح فلم يزل يقنت فيه حتى فارق الدنيا، فلا معارضة بين الحديثين حتى يقال: إن حديث مسلم أصح. نعم يعارضه حديث أبي مالك الأشجعي عند الترمذي كما يأتي.
Halaman 51
وتابع الحاكم في هذا الحديث أحمد والخطيب وجماعة من طريق أبي جعفر الرازي.
قال الحافظ ابن حجر في تخريج العزيز: يعكر على هذا ما رواه الخطيب من طريق القيس بن الربيع، عن عاصم بن سليمان:
قلنا لأنس: ((إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر، فقال: كذبوا إنما قنت شهرا يدعو على حي من أحياء المشركين)).
وقيس وإن كان ضعيفا لكنه لم يتهم بكذب.
وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق سعيد عن قتادة، عن أنس: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم)).
فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت، فلم يقوم بمثل هذا حجة. انتهى.
أقول: إنما يحكم بالاضطراب إذا تقاومت الروايات في القوة، وقد تقدم أن رواية [أبي] جعفر الرازي صحيحة عند الحاكم حسنة عند غيره، ورواية قيس بن الربيع التي عند الخطيب ضعيفة لضعف قيس فلا تقاومها.
Halaman 52
وأما رواية سعيد التي عند ابن خزيمة وإن كانت صحيحة إلا أنها ليست نصا ولا صريحة في نفي القنوت في الصبح؛ إذ يمكن أن يحمل على قنوت النازلة أو القنوت في بقية الفرائض، فيكون المعنى: لا يقنت للنازلة إلا عند إرادة الدعاء لقوم أو على قوم، أو لا يقنت في بقية الفرائض إلا للنازلة، وهذا واضح جلي وبالله التوفيق.
على أن لرواية أبي جعفر شواهد، ففي الدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} معزوا لأحمد والبزار والدارقطني عن أنس: ((ما زال رسول الله يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا))، ومعزوا إلى الدارقطني والبيهقي عنه: ((قنت شهرا يدعو عليهم ثم تركه، وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا)).
وفي شرح منتهى الإرادات للحنابلة: وبهذا الحديث -يعني حديث أنس
الذي عند أحمد والحاكم وغيرهما المار- رخص أحمد في القنوت في الفجر.
[القنوت في الصبح مروي عن الخلفاء الأربعة]
وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الرافعي عند قوله: ((وروي القنوت في الصبح عن الخلفاء الأربعة)) ما نصه: (رواه البيهقي عن العوام بن حمزة قال: ((سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح فقال: بعد الركوع: قلت: عمن؟ قال: عن أبي بكر وعمر وعثمان)).
Halaman 53
ومن طريق قتادة عن الحسن عن أبي رافع: ((أن عمر كان يقنت في الصبح)).
ومن طريق حماد عن إبراهيم عن الأسود قال: ((صليت خلف عمر في الحضر والسفر فما كان يقنت إلا في صلاة الفجر)).
وروى أيضا بسند صحيح عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: ((قنت)
علي في الفجر))، ورواه الشافعي أيضا).
[أدلة من منع القنوت في الصبح وتوجيهها]
قال الحافظ ابن حجر: (ويعارض الأول -يعني رواية الحاكم- ما روى الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه: ((صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلم يقنت أحد منهم، وهو بدعة)). قال: وإسناده حسن.
Halaman 54
قلت: ولا يظهر في هذه الرواية معارضة من كل وجه، فإنه ليس فيها نفي قنوتهم في الفجر، فيمكن حمله على بقية الفرائض، لكن أورده في شرح منتهى الإرادات للمؤلف بلفظ: ((قلت لأبي: إنك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ههنا بالكوفة نحو خمس سنين، أكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: أي بني، محدث)). قال الترمذي: حسن صحيح، قال: ورواه أحمد وابن ماجه والنسائي.
قال: والعمل عليه عند أهل العلم.
وعن أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم)). رواه سعيد.
وروى أيضا عن الشعبي أنه قال: لما قنت علي في صلاة الصبح أنكر ذلك الناس فقال: ((إنما أنا أستنصر على عدونا)).
فهذان الحديثان معارضان للحديث الأول، وهما دليل الذاهبين إلى نفي القنوت في الصبح، وحملوا القنوت في حديث أنس المار على طول القيام فإنه يسمى قنوتا، ويعارضه أيضا ما مر عن الحافظ ابن حجر في تخريج الرافعي وعزاه للخطيب من طريق قيس بن الربيع: عن عاصم بن سليمان قلت لأنس:
Halaman 55
إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر، فقال: ((كذبوا إنما قنت شهرا واحدا يدعو على حي من أحياء المشركين))، وقيس وإن كان ضعيفا لكنه لم يتهم بالكذب [عنه].
وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق سعيد عن قتادة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم))، فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم بمثل هذا حجة). انتهى كلامه في تخريج الرافعي.
وإذا تعارضا فلا بد من الترجيح، ولا شك أن المثبت مقدم على النافي، وحديث أنس عند الحاكم فيه إثبات القنوت، وحديثه عند الترمذي وغيره ناف، فيقدم رواية الحاكم مع قوتها وصراحتها وضعف غيرها واحتمال القوي منها كما مر.
Halaman 56
أقول: على أن الجمع مقدم على الترجيح مهما أمكن، وهنا في بعضها ممكن، لكن لا على الوجه الذي سبق من حمل القنوت على طول القيام لأن الظاهر المتبادر من كلام الشارع المعاني الشرعية لا اللغوية، سيما وقد صرح في بعض الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم : ((قنت شهرا ثم تركه إلا في الصبح فإنه لا زال يقنت في الصبح إلى أن فارق الدنيا)). انتهى، فهذا الاستثناء وقع في القنوت الصادر منه صلى الله عليه وسلم وهو قنوت النازلة لأنه إنما كان دعا على الكفرة، ومعلوم أنه قنوت شرعي لا لغوي، فالمستثنى كذلك، بل على أن يقال: معنى الحديث: قنت للنازلة في جميع الصلوات شهرا ثم ترك القنوت فيها لها إلا الصبح فإنه صلى الله عليه وسلم لا زال يقنت فيها للنوازل إلى أن فارق الدنيا، وبقية الأحاديث السابقة لا تأبى هذا الجمع؛ فحديث أبي رافع: ((أن عمر كان يقنت في الصبح)) ليس فيه إلا إثبات القنوت في الصبح، وليس فيه أنه لم يكن للنازلة.
وكذا حديث الأسود: ((صليت خلف عمر في الحضر والسفر فما كان يقنت إلا في صلاة الصبح))، ليس فيه إلا نفي القنوت في بقية الصلوات وإثباته في الصبح، وليس فيه أنه لم يكن للنازلة.
وكذا حديث ابن مقرن: ((قنت علي في الفجر)).
ويوضح هذا الجمع حديث أبي هريرة عند البخاري من رواية إبراهيم بن سعد عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد قنت في الركعة الأخيرة)).
وأورده ابن خزيمة من رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد بلفظ: ((كان لا يقنت إلا إذا دعا لأحد أو دعا على أحد)).
Halaman 57
قال الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار بعد تخريجه لحديث أبي هريرة هذا: ولهذا اللفظ -يعني لفظ رواية ابن خزيمة- شاهد من حديث أنس ثم ساق سنده: قرأت على أبي الطاهر الربعي عن زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم، عن عجيبة بنت أبي بكر، أنا أبو الخير الباغبان إجازة، أنا أبو بكر السمسار، أنا أبو إسحاق الأصبهاني، ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، ثنا القاسم بن محمد بن عباد، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو على قوم))، أخرجه ابن خزيمة عن محمد بن محمد بن مرزوق، عن محمد بن عبد الله الأنصاري.
وله شاهد آخر عند الطبراني عن ابن عباس قال: ((قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دعا لقوم ودعا على قوم)). [وسنده حسن]. انتهى.
وقال في تخريج الرافعي: ورد ما يدل على أن القنوت يختص بالنوازل من حديث أنس أخرجه ابن خزيمة في صحيحه كما تقدم من حديث أبي هريرة، وأخرجه ابن حبان بلفظ: ((كان لا يقنت إلا .. .. )) بمثل ما مر، قال: وأصله في البخاري من الوجه الذي أخرجه منه ابن حبان بلفظ: ((إذا أراد)) بمثل ما مر أيضا.
Halaman 58
وحديث الشعبي أن عليا لما قنت في صلاة الصبح أنكر ذلك الناس فقال: (([أنا] إنما أستنصر .. .. )) الخ، ولا يدفع هذا الجمع رواية الخطيب المارة عن أنس: ((كذبوا ..)) الخ لأنها ضعيفة، وعلى هذا الجمع يحمل حديث أبي مالك الأشجعي أنه بدعة، على معنى أن جعله قنوتا معتادا بدعة.
وكذا ما رواه الدراقطني عن ابن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: ((إن القنوت في صلاة الفجر بدعة))، أي القنوت لغير نازلة فيها بدعة.
والجواب: أن مفهوم هذا الجمع: أن قنوت النازلة يختص بالصبح ولا يكون في بقية الصلوات، ويأباه حديث ابن مسعود الآتي في قنوت الوتر: ((وكان إذا حارب قنت في الصلوات كلها يدعو على المشركين))، لكن فيه غرابة وضعف، وما يأتي في دليل القولين الأخيرين للشافعي.
نعم، وقع في شرح المنتهى للحنابلة للمؤلف عن أبي هريرة -كما مر- ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم أو على قوم))، رواه سعيد. انتهى. ولو ثبتت هذه الزيادة [لكانت] نصا في المقصود، وقد علمت أن في الروايات التي سقناها عن الحافظ ابن حجر ليست هذه الزيادة مذكورة، فلعلها من النساخ.
Halaman 59
[أدلة قنوت النازلة]
وأما دليل قنوت النازلة: فحديث ابن عباس عند أبي داود وغيره قال: ((قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يدعو على رعل وذكوان وعصية من بني سليم في دبر كل صلاة إذا قال: ((سمع الله لمن حمده)) من الركعة الأخيرة، ويؤمن من خلفه))، وهو حديث حسن ، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، فهذا دليل الفعل للنازلة.
وأما دليل القول الثاني، وهو الترك مطلقا: فوقع في الصحيحين عن أنس وأبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على أحياء من العرب ثم تركه)). وحمله الأول على انقضاء الحاجة لقول أبي هريرة في بعض طرقه: ((إن الذين كان يدعو لهم قدموا فترك الدعاء لهم)).
Halaman 60
وأما دليل القول الثالث، وهو القنوت في جميع الصلوات مطلقا: فحديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وبالسند السابق إلى الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار: (قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي عن أبي نصر بن العماد، أنا أبو محمد عبد الرشيد في كتابه، أنا الحسن بن أحمد المقري، أنا الحسن بن أحمد المهري، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا سليمان بن أحمد، ثنا يعقوب بن إسحاق المخرمي، [ثنا علي بن بحر بن بري]، ثنا محمد بن أنس، عن مطرف بن طريق، عن أبي الجهم هو سليمان بن الجهم، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها))، قال سليمان: لم يروه عن مطرف إلا محمد بن أنس)).
Halaman 61