ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل، وقد دل عليه القرآن والسنة والفطرة وإجماع الصحابة. قال تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ . فأثبت لهم إيمانا به سبحانه مع الشرك. وقال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ ١ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ . فأثبت لهم إسلاما وطاعة لله ورسوله مع نفي الإيمان عنهم وهو الإيمان المطلق الذي يستحق اسمه بمطلقه. الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وهؤلاء ليسوا منافقين في أصح القولين بل هم مسلمون بما معهم من طاعة الله ورسوله وليسوا مؤمنين وإن كان معهم جزء من الإيمان أخرجهم من الكفر.
قال الإمام أحمد: من أتى هذه الأربعة أو مثلهن أو فوقهن يريد: الزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب فهو مسلم، ولا أسمية مؤمنا، ومن أتى دون ذلك يريد دون الكبائر: سميته مؤمنا ناقص الإيمان. فقد دل على هذا قوله ﷺ: "فمن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق". فدل على أنه يجتمع في الرجل نفاق وإسلام.
وكذلك الرياء شرك فإذا راءى الرجل في شيء من عمله اجتمع فيه الشرك والإسلام، وإذا حكم بغير ما أنزل الله أو فعل ما سماه رسول الله ﷺ كفرا وهو ملتزم للإسلام وشرائعه فقد قام به كفر وإسلام، وقد بينا أن المعاصي كلها شعب من شعب الكفر كما أن الطاعات كلها شعب من شعب الإيمان، فالعبد تقوم به شعبة أو أكثر من شعب الإيمان، وقد يسمى بتلك الشعبة مؤمنا وقد لا يسمى، كما أنه قد يسمى بشعبة من شعب الكفر كافرا وقد لا يطلق عليه هذا الاسم فها هنا أمران أمر اسمي لفظي وأمر معنوي حكمي، فالمعنوي هل هذه الخصلة كفر أم لا؟، واللفظي هل يسمى من قامت به كافرا أم لا؟ فالأمر الأول شرعي محض، والثاني لغوي وشرعي.
_________
١ لا ينقصكم.
1 / 61