فضحك ذاك وقال: «إنه طويل الحياة، لا خوف عليه ولا سيما إذا نجح في مهمته عند راشد الدين، والحق يقال إنه يحب هذه المرأة ويعدها بكل خير إذا أحبته. لكنها لا تحبه، ولذلك يعذبها.»
ففهم عماد من هذا الحديث أنه قتل أبا الحسن، لكنه لم يكن يعرف علاقته بسيدة الملك، وإنما يعرف أنه من الخارجين على صلاح الدين وأنه نجا من القتل. فرقص قلبه فرحا لأنه سيذهب إلى صلاح الدين بخبرين مهمين: الأول ذهاب الخطر على حياته من راشد الدين والثاني أنه نجا من أبي الحسن. لكنه سمع في أثناء الحديث أنه يعذب امرأته حتى أشفق عليها الخدم. وتذكر أن أبا الحسن أمره بقتلها وأجازه على ذلك. وكان عماد الدين قد أصبح بعد تعلقه بسيدة الملك يشفق على كل أنثى لأجلها. فأحس بميل إلى إنقاذ هذه المسكينة. فتقدم إلى الباب وطرقه فأجفل الرجلان وصاح أحدهما: «من الطارق؟» وقال لرفيقه: «لعله مولانا الشيخ سليمان، ألم أقل لك إني رأيت مصباحه؟»
فقال عماد الدين: «إني رسول من الشيخ سليمان.»
ففتح أحدهما الباب ودخل الآخر فأتى بالنور وأدناه من وجه عماد الدين، فرأياه ورآهما فلم يذكر أنه يعرف أحدهما، لكنه عرف من زيهما أنهما من أهل دمشق، وكان قد لحظ ذلك من لهجتهما. وكلاهما في حدود الكهولة، فتقدم أحدهما وقال لعماد الدين: «ماذا تريد؟»
قال: «بعثني الشيخ سليمان في مهمة ومعي هذا المصباح علامة لصدق الرسالة فانطفأ في أثناء الطريق.»
قال: «صدقت، وما الذي تريده؟»
قال: «أمرني أن آتيه بامرأته على بغلتها وهو في انتظارها بباب الحصن.»
فالتفت الرجلان أحدهما إلى الآخر لفتة الاستغراب ولسان حالهما يقول: «كيف يبعث الشيخ يطلب امرأته على بغلتها إلى الحصن؟ وما الذي يريده منها هناك؟» فقال أحدهما: «وهل يطلب امرأته وحدها؟»
قال: «يطلبها مع ما تريد حمله من متاعها وثيابها.»
قال: «علينا أن نبلغها الرسالة.» ودخل الرجل والنور بيده وظل عماد الدين واقفا وقد أصاخ سمعه. وأول شيء سمعه قبل وصول الرسول أنين وتأوه وصوت ضعيف يقول: «ويلك من الله يا خائن ... ألا تخاف العقاب يوم الدين؟ أين يا موت. متى تأتي ساعتي وأتخلص من هذه الحياة ... آه ... ما بالهم يتآمرون علي؟»
Halaman tidak diketahui