فوقف الشيخ ومد يده ليتناول المصباح منه فامتنع عماد الدين عن أن يناوله إياه، فغضب الشيخ وقال بانتهار: «هات المصباح يا غلام وانصرف لسبيلك.»
فقال عماد الدين: «أهذا جزاء من يريد القيام بخدمتك؟» قال ذلك واستل خنجره وأغمده في قلبه. فوضع الشيخ كفه على موضع الضربة وصاح: «آه. قتلتني يا لعين. ويلاه آه. ماذا فعلت معك؟»
فهم عماد الدين أن يثني الضربة فأمسكه بيده الأخرى وهي ترتعد وقال: «هذه الطعنة تكفي لقتلي، فأغمد الثانية في صدر تلك الخائنة. انظر. إني مسامحك على قتلي؛ لأني أستحق القتل، ولكن هناك امرأة، هناك في هذا المنزل حيث ترى النور امرأة أحق بالقتل مني! بالله ألا ذهبت إليها وقتلتها، وخذ ما في جيبي من النقود والجواهر مكافأة لك.» قال ذلك وسقط وعماد الدين يستغرب قوله، فأكب عليه وفتش جيبه فوجد فيه أوراقا ونقودا وجواهر استخرجها وتركه يتخبط في دمه. •••
مشى وهو يفكر في هل يذهب إلى ذلك المنزل أم يسير توا إلى مصر ومعه النقود. فترجح لديه الذهاب إلى مصر مخافة أن يكون في ذهابه إلى المنزل ما يعيقه عن المسير أو ربما بعث راشد الدين في استقدامه ليعود إلى الحصن. وقد كان في عزمه أن يفر قبل قتل الرجل لو لم يلح عليه عبد الرحيم بقتله فأطاعه وهو لا يعلم السبب، لكنه استخلصه ورأى في طاعته خيرا.
فلما رجح الفرار وقف يفكر في الطريق المؤدي إلى مصر وقد اشتد الظلام وهو لا يميز الطرق ولا يعرف الجهات. وتذكر وصية القتيل وغرابتها واستنتج منها أنه ناقم على امرأة يريد قتلها. فرأى أن يذهب إلى المنزل ويستدل من هناك على الطريق. فمسح خنجره وأغمده وأصلح من شأنه وأطفأ المصباح حتى لا يراه أحد ومشى نحو النور. ولما اقترب من المنزل جعل خطاه خفيفة كأنه يتلمس الطريق. وأصغى بسمعه وتطاول بعنقه. وخطا خطوات قليلة حتى أوشك أن يدق الباب. فسمع رجلا يخاطب رفيقا له في ذلك البيت قائلا: «ألم تر مصباح الشيخ؟»
فأجابه الآخر: «رأيت مصباحا منذ هنيهة على بعد يشبه مصباحه.»
قال: «بل هو بعينه ثم انطفأ. ماذا جرى له يا ترى؟»
قال: «لا تخف عليه. إنه طويل العمر.»
قال: «أراك تحسده على حياته وهو من أشقى خلق الله.»
قال: «صدقت لم أر أشقى حياة منه.»
Halaman tidak diketahui