فصاح الرجل: «إني لم أقتله يا مولاي، وإنما هم يتهمونني زورا.»
قال: «وتكذب أيضا؟ أتحسب أن ذلك ينطلي علينا؟ ألا تعلم أننا نفحص القلوب ونعرف أسرارها؟»
فعاد الرجل إلى الإنكار وقال: «إنهم يتهمونني يا سيدي زورا، فإذا شئت فإني آتي بالشهود، أو أقسم لك ببراءتي.»
قال: «لا حاجة بنا إلى شهود أو قسم، أنا أسأل هذا القتيل وهو ينبئني بالحقيقة.»
فلما قال ذلك أجفل عماد الدين، ونظر فرأى راشد الدين قد وقف وانتصب كالصنم ثم خطا خطوة نحو القتيل وصاح به وهو يشير إليه بإصبعه كأنه يهدده: «ألم يقتلك هذا الكردي؟ قل!»
كان السكوت مستوليا على الحضور وقلوبهم تخفق تطلعا إلى ما يكون، فسمعوا القتيل يقول بصوت ضعيف: «بلى هو قتلني!»
فسأله ثانيا: «بماذا قتلك؟»
فأجاب: «بخنجره!»
فلما سمع عماد الدين ذلك اقشعر بدنه. كيف لا وقد سمع الميت يتكلم وهو على ثقة من تلك الحادثة لأنه رآها بنفسه؟! أما راشد الدين فرجع إلى مقعده وأشار إلى بعض الوقوف بين يديه من رجاله أن يذهبوا بالرجل إلى السجن وأن يدفنوا القتيل ففعلوا. وقد استولت الدهشة على الحضور ولا سيما عماد الدين.
وبعد قليل أشار راشد الدين إلى الوقفين في مجلسه بالانصراف ولم يبق غير بعض خاصته الملثمين، وأومأ إلى عبد الرحيم أن يقدم عبد الجبار فقاده بيده حتى أوقفه بين يديه، فوقف وركبتاه ترتعدان من التهيب وقد عظم أمر راشد الدين في خاطره.
Halaman tidak diketahui