Tahanan Tehran
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
Genre-genre
وبينما كان لحن الزفاف يصدح، اقتادني أبي عبر ممر الكنيسة، وشعرت بأن تلك أسعد لحظة في حياتي على الإطلاق. كانت سلال الزهور الضخمة التي تفيض بأزهار الجلاديوس البيضاء قد وضعت على المذبح، وأحاطت بنا الوجوه الباسمة.
التقطنا بعض الصور داخل الكنيسة وفي ساحتها الخلفية، وتناولنا الكعك وتبادلنا الحديث مع الضيوف، وسرعان ما حان وقت الذهاب إلى الشقة التي استأجرها أندريه بعد وفاة والده ورحيل عمته التي ربته إلى المجر. كانت الشقة تطل على جبال «ألبرز»، وتقع شمال طهران في مبنى متعدد الطوابق على تلال جوردان، يقع في مواجهة طريق جوردان. وقبل أن أخرج من الكنيسة ارتديت الوشاح والمعطف الإسلامي فوق ثوب الزفاف، ثم توجهنا إلى سيارة أندريه الزرقاء من طراز فيات. كان كلانا يشعر بالسعادة والخوف، والأمل يحدونا في غد أفضل، لأننا قررنا أن نحيا حياتنا كما نشاء. ***
بعد زواجنا مباشرة حصل أندريه على وظيفة في مصنع الكهرباء بطهران، وبعد شهرين استأجرنا شقة مشتركة مع والدي كي نتقاسم النفقات. كانت وتيرة الحرب التي دخلت عامها الخامس بين إيران والعراق قد بدأت تتصاعد. منذ أن بدأت الاشتباكات في شهر سبتمبر من عام 1980 ظلت الحرب بعيدة عن طهران، فالمسافة التي تفصل بينها وبين العراق مصدر حماية لنا. تغيرت أسماء الشوارع في الأحياء المجاورة إلى أسماء الشهداء الذين لاقوا حتفهم على الجبهة. قبل أن أدخل «إيفين»، كانت عملية تغيير أسماء الشوارع تحدث رويدا وريدا ولم تكن ملحوظة، ولكن بعد إطلاق سراحي كان بوسعي أن أرى أن الكثير من أسماء الشوارع أصبحت تخليدا لذكرى شهداء الحرب.
قبل زواجي من أندريه بقليل بدأت الغارات الجوية على طهران وبعض المدن الكبرى الأخرى، وذات يوم، وقع الانفجار الأول في الصباح الباكر دون أي إنذار، فقد انفجر صاروخ في أحد الأحياء السكنية المجاورة التي تبعد عن منزل زينيا بأقل من ميلين، فأحدث ارتجاجا هائلا أيقظني من النوم، ومع أنني لم أكن أعلم وقتها مصدر هذا الصوت، فقد أدركت أن شيئا رهيبا قد حدث، ومنذ ذلك الحين ظلت صافرات إنذار الغارات الجوية تنطلق بضع مرات في اليوم وفي منتصف الليل ، ومع أنه لم يكن هناك مخابئ للحماية من الغارات، ولم تهتم الحكومة ببنائها قط، فقد حاول الناس اللجوء إلى أماكن آمنة بعيدا عن النوافذ، فمع كل هجوم بالصواريخ يتسبب الزجاج المحطم في إصابة وقتل الكثيرين.
أصبح الموت جزءا من حياتي اليومية، ورحل من استطاعوا مغادرة المدينة إلى مدن وقرى صغيرة، لكن معظم الناس لم يكن لديهم مكان آخر يلجئون إليه. وعلى غرار النهر الذي يشق طريقه دائما إلى الأراضي المنخفضة حتى لو اضطر إلى شق الوديان، فقد عادت الحياة لطبيعتها بأقصر السبل في محاولة عنيدة لتحدي الخوف. عاد الآباء إلى أعمالهم وأرسلوا أطفالهم إلى المدارس، ولكنهم أصبحوا يطيلون فترة عناقهم قليلا ويودعونهم بمزيد من الحرارة. دمرت بعض المدارس بفعل الغارات الجوية، وقتل المئات من الأطفال وهم يجلسون خلف طاولاتهم أو يلعبون في فناء المدرسة، وعلى الجبهة بدأ صدام حسين يستخدم الأسلحة الكيميائية مثل غاز الأعصاب وغاز الخردل، مما أدى إلى مصرع الآلاف من الأشخاص.
وعندما كنت أنا وأندريه نسير في المدينة كي نذهب إلى الكنيسة أو لزيارة أحد الأصدقاء، كنا نرى فجوة ضخمة في المكان الذي كان يحتله أحد المنازل في اليوم السابق، وأحيانا كنا نرى درجا رفض أن يتهدم بين الأطلال يؤدي في مشهد غريب إلى الفراغ، أو حائطا مغطى بورق الجدران المزين بالأزهار يلقي بظلاله على رماد الأرواح المفقودة. •••
ذات صباح أحد أيام الأربعاء، بعد إطلاق سراحي من «إيفين» بنحو عامين، دق جرس الهاتف عندما كنت أستعد للذهاب للتسوق وأحمل حافظة نقودي في يدي.
أجابني صوت غير مألوف: «هل يمكنني أن أتحدث إلى مارينا؟» - «أنا مارينا.» - «مارينا، أنا أتصل من إيفين.»
توقف العالم من حولي؛ وضعت حافظة نقودي على الأرض واستندت إلى الحائط. - «عليك أن تحضري إلى «إيفين» يوم السبت كي تجيبي على بعض الأسئلة؛ احضري أمام البوابة الأمامية الرئيسية في التاسعة صباحا، ولا تتأخري.» - «أي أسئلة؟» - «سوف تعلمين. لا تنسي الموعد، التاسعة صباحا يوم السبت.»
لم أتمكن من الحركة، بل إنني لم أتمكن من وضع سماعة الهاتف مكانها، يبدو أن حياتي بعد «إيفين» كانت حلما، والآن حان الوقت كي أستيقظ من الحلم وأعود إلى الواقع، لكنهم على الأقل لم يطلبوا حضور أندريه. وأخيرا وضعت السماعة وذهبت إلى غرفة النوم. لم يكن أحد بالمنزل، وقضيت بعض الوقت قبل أن أتمالك نفسي. حاولت أن أفكر فيما حدث، وأن أقنع نفسي بأن كل شيء على ما يرام، وبأنهم يراقبونني فحسب، ولكنني لم أتمكن من ذلك، شعرت بالإرهاق، فرقدت على الفراش واستغرقت في النوم، واستيقظت على صوت أمي وهي تناديني وتهز كتفي. - «لماذا تنامين بالوشاح والمعطف؟»
Halaman tidak diketahui