Tahanan Tehran
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
Genre-genre
كان والدا علي قد خصصا غرفة للصلاة خالية من كل شيء إلا من السجاجيد الإيرانية السميكة التي تغطي الأرض. وقفنا نستقبل القبلة، وبسطت كل منا سجادتها من أجل الصلاة عليها. كانت سجادتي مزخرفة بخيوط وخرز فضي وذهبي. يبدو أنها قد قضت ساعات عديدة في صنع تلك السجادة.
وبعد الصلاة أعدت أكرام المائدة بالأطباق الخزفية الفاخرة، وجلسنا نتناول الغداء المكون من الباذنجان ويخنة اللحم بالأرز، وبعد الغداء احتسينا الشاي. وأنا أحتسي الشاي لاحظت أن والدة علي تحدق النظر إلي وكأنها تود مصارحتي بشيء مهم، لكنها لا تدري من أين تبدأ، فأطرقت برأسي.
وأخيرا قالت: «مارينا، هناك شيء أود إخبارك به عن علي، ولا أدري إن كنت على علم به أم لا. هل أخبرك من قبل أنه كان سجينا في «إيفين» في عهد الشاه؟»
صدمت مما سمعت، وأجبتها: «كلا، لم يخبرني قط.»
قالت: «ألقى السافاك القبض عليه قبل اندلاع الثورة بثلاثة أعوام وثلاثة أشهر. خارت قواي، ولم أصدق أنه قد ينجو، فقد كان مخلصا جدا للإمام ويكره الشاه وحكومته الفاسدة. توقعت أن يلقوا القبض على السيد موسوي أيضا، لكنهم لم يفعلوا. لكني فقدت عليا. كنت أعلم أنه يلاقي العذاب. ذهبنا إلى «إيفين» وطلبنا رؤيته، لكنهم لم يسمحوا لنا بالزيارة مدة ثلاثة أشهر، وعندما سمح لنا بالزيارة أخيرا، بدا ابني القوي الوسيم هزيلا واهنا.»
سالت الدموع من عيني فاطمة خانم وهي تتابع: «أطلق سراحه قبل نجاح الثورة بثلاثة أشهر دون أن يخبرونا أنهم سيطلقون سراحه. في ذلك اليوم كنت في المطبخ عندما سمعت جرس الباب يدق. كان يوما خريفيا غائما، وأوراق الشجر تساقطت لتفترش الفناء. هرعت نحو الباب أتساءل من الطارق، فلم يجبني أحد، لكني عرفت أنه هو. لا أدري كيف عرفت، لكن هذا ما حدث. فتحت الباب ووجدته هو، فابتسم وعانقني طويلا. كان نحيلا للغاية، حتى إنني أحسست بعظامه تحت أصابعي، وكانت ابتسامته مختلفة؛ إذ شابها الإرهاق والحزن. كنت أعرف أنه مر بتجارب مؤلمة، وأن الحزن المطل من عينيه سيلازمه فترة طويلة. استأنف حياته على الفور، لكنه تغير، فلم يفارقه الألم الذي يشعر به قط، وأحيانا كنت أشعر به يتجول في المنزل طوال الليل. ومنذ بضعة أشهر عاد من العمل ذات يوم وحزم حقائبه وذهب إلى الجبهة كي يحارب العراقيين دون أن يقدم لي أي تفسير. صدمت بذلك، فلم يكن هذا طبعه. لا تسيئي فهمي؛ لم يفاجئني ذهابه إلى الجبهة، فقد ذهب إلى هناك من قبل، لكن التوقيت كان غريبا. أدركت أن شيئا ما قد حدث، لكنه لم يخبرني ما هو. وفي الشهور الأربعة التي غاب فيها جافاني النوم، وأخيرا تلقيت اتصالا ذات يوم أخبرت فيه بأنه قد أصيب بطلق ناري في ساقه ويرقد في المستشفى، فحمدت الله آلاف المرات، وعندما ذهبت لرؤيته ابتسم لي كالأيام الخوالي وكأنه عاد طفلا صغيرا، وأخبرني أن شيئا رائعا قد حدث له، فظننت في بادئ الأمر أنه فقد عقله.»
إذن كان علي سجينا في «إيفين» وتعرض للتعذيب هناك، ربما لهذا السبب سألني بعد أن تعرضت للجلد واقتادني إلى الزنزانة الانفرادية هل أحتاج شيئا يساعدني في تخفيف الألم، وطلب من الطبيب أن يأتي لزيارتي؛ ربما فعل ذلك لأنه شعر بالمعاناة مثلي تماما.
بعد اندلاع الثورة رغب علي في الانتقام، فانضم للعمل في «إيفين»، وخلال الأشهر الأولى بعد الثورة كان معظم سجناء «إيفين» من عملاء السافاك السابقين، فحصل على فرصته كي ينتقم منهم؛ العين بالعين. لم يكونوا أعداء للإسلام فحسب، بل كانوا أعداءه الشخصيين أيضا، لكن الأمور تغيرت، ومن كانوا يحاربون معه في زمن الشاه من «المجاهدين» و«الفدائيين» أصبحوا هم الذين يلقى القبض عليهم. أنا متأكدة أنه لم يكن عسيرا عليه في بداية الأمر تبرير القبض عليهم، فقد أصبح رفاق الزنزانة السابقين وأتباعهم أعداء للدولة الإسلامية، أو كما قال الخميني أصبحوا أعداء لله ورسوله. نشأ علي مسلما متدينا، واعتاد اتباع الإمام حتى لو كلفه ذلك حياته. ربما بدأ يرى أن ما يحدث في «إيفين» باسم الإسلام خطأ، لكن واجه صعوبة في تقبل الحقيقة بسبب إخلاصه لدينه، ولم يدر كيف يتعامل معها. لقد أعماه إيمانه، غير أن تجربته الشخصية ربما تدفعه أحيانا لأن يرى الموقف من وجهة نظر السجناء. كان والداه فخورين بوجوده في الخط الأمامي للجبهة ضد أعداء الإسلام، ومن وجهة نظرهما كان عمله محققا من أشرف الأعمال التي يمكن للمسلم توليها، فكل ما حدث في «إيفين» بعد الثورة كان مبررا؛ كانوا يدافعون عن أسلوب حياتهم وقيمهم؛ كانوا ينظرون إليها على أنها حرب بين الخير والشر. •••
وبعد أن انتهينا من تناول الطعام وتنظيف المائدة سألتني والدة علي هل أعرف الطهي، فأجبتها: «نعم، ولكن ليس بنفس براعتك أنت وأكرام. تعلمت من كتب الطهي، فأمي لم تكن تحب دخولي المطبخ.» - «هل ترغبين في مساعدتنا في إعداد العشاء؟ علينا أن نبدأ في الحال، فسوف يحضر الملا أغا في الساعة الخامسة، وسوف نتناول العشاء بعد حفل الزفاف.»
ساعدتهما في المطبخ، ففرمت وطهوت أنا وأكرام البصل والبقدونس الطازج والثوم وبعض الأعشاب الأخرى، بينما قطعت والدة علي اللحم وسلقت الأرز طويل الحبة بعد أن تبلت قطع الدجاج في خليط من الزبادي وصفار البيض والزعفران. أعددنا أيضا يخنة اللحم بالأعشاب، والتاكين (خليط من الدجاج والأرز والزبادي وصفار البيض والزعفران).
Halaman tidak diketahui