جعل نفسَه أعمى أصَمَّ لمّا لم ينظر ولم يسمع. وقال آخر١:
وكلامٌ بسيِّئ قد وُقِرَتْ ... أذنيَ عنه وما بي من صَمَمِ
وقريب من هذا الباب قوله جلّ وعزّ: ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ ٢ أي ما هم بسُكارى مشروبٍ ولكن سُكارى فَزَع وَوَلهٍ. ومن الباب قوله جلّ ثناؤه: ﴿لَا يَنْطِقُونَ، وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ ٣ وهم قد نطقوا بقولهم: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ ٤ لكنهم نطقوا بما لم يَنفع فكأنهم لم ينطِقوا.
باب الشرط:
الشرط على ضربين: شرطٌ واجبٌ إعماله كقول القائل: "إن خرج زيدٌ خرجتُ". وفي كتاب الله جلّ ثناؤه: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ ٥.
والشرط الآخر مذكور إلا أنه غيرُ مَعْزوم عليه ولا محتوم، مثل قوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ ٦ فقوله: ﴿إِنْ ظَنَّا﴾ شرط لإطلاق المراجعة. فلو كان محتومًا مفروضًا لما جاز لهما أن يتراجعا إلاّ بعد الظنّ أن يقيما حدود الله. فالشرط ها هنا كالمَجاز غير المعزوم. ومثله قوله جلّ ثناؤه: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ ٧ لأن الأمر بالتذكير واقع في كلّ وقت. وللتذكير واجب نفع أو لم ينفع، فقد يكون بعض الشروط مَجازًا.
باب الكناية:
الكناية لها بابان: أحدهما أن يُكنى عن الشيء فيذكر بغير اسمه تحسينًا للفظ أو إكرامًا للمذكور، وذلك كقوله جلّ ثناؤه: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ