مسألة:[الكلام في العام المخصص هل يجوز سماعه من دون سماع
المخصص أم لا؟]
ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يجوز أن يسمع المكلف العام المخصوص بتخصيص سمعي إلا ويسمع معه الخاص وهو مذهب الشيخ أبي علي(1)، وهكذا رأيه في الناسخ فإنه يقول: إذا تعبد الله بشيء من الأحكام ثم نسخه قبل انتهاء خبر التعبد بالمنسوخ إلى قوم لم يجز أن يرد عليهم خبر التعبد بالمنسوخ دون خبر الناسخ.
وذهب آخرون(2) إلى أن ذلك جائز، وأن الواجب على السامع للخطاب أن يجوز ورود النسخ عليه فيتوقف القدر الذي يمكن عنده ورود دليل التخصيص، وهو المحكي عن أبي هاشم.
واستدل من قال بالأول: بأن العام إذا كان موضوعا في أصل اللغة للإستغراق ثم ورد من الحكيم سبحانه وتعالى وهو يريد تخصيصه ولم يرد معه المخصص جرى مجرى تلبيس المراد وذلك لا يجوز عليه سبحانه؛ لأنه إذا وجب على المكلف اعتقاد جريان الحكم على جميع ما تقدم له العموم ثم أراد سبحانه وتعالى التخصيص وجب أن يسمعه الخاص؛ لأن لا يقع هذا الإعتقاد جهلا قبيحا.
واستدل من ذهب إلى الثاني: بأنه إذا جاز أن يكون العام مخصوصا بدلالة العقل ويسمعه الله تعالى ذلك من غير أن يكون قد نظر في الدليل العقلي المخصص له ولم يرد ذلك إلى تلبيس الدلالة فكذلك إذا كان يخصصه من جهة السمع.
وإذا قلنا إن المخاطب إذا جوز التخصيص لزمه أن يتوقف قدر وقوفه عليه وهو لا محالة يصله إذا بحث عنه وهذا الذي نختاره؛ لأن الذي لأجله جاز ورود العام المخصوص بدلالة العقل -وإن لم يستدل المكلف- هو التمكن من ذلك بالنظر، وهذا الدليل قائم في المخصوص بالسمع لأنه متمكن بالبحث عن معرفته، ولا يلزم عليه جواز تأخير البيان؛ لأن المخاطب إذا لم يبين له المراد بما خوطب به جرى الخطاب مجرى العبث، وذلك لا يجوز على الله سبحانه، وليس هذا من ذلك؛ لأنه سبحانه إذا أورد العام والخاص وتأخر عن المكلف الخاص فلم يتأخر عنه البيان، وإنما تأخر المبين، وهذا لا يمتنع كما لا يمتنع أن نخاطب العجم بلغة العرب إذا كان ثم من يترجم.
Halaman 104