أما أنهم أجمعوا على ذلك: فالمعلوم من حالهم لمن عرف أخبارهم، وتتبع سيرهم وآثارهم، أنهم كانوا يجيزون تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، كما فعله عمر(1) بمحضر منهم لما افتتح بلاد المجوس فقال: ما أصنع بقوم لا كتاب لهم، رحم الله امرءا سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم شيئا إلا قاله، فقال عبدالرحمن(2) : سمعته يقول: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير آكلي ذبائحهم، ولا ناكحي نسائهم(1))) فخصص بذلك قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة:5]، وكذلك قبلوا خبر الواحد في أن القاتل لا يرث المقتول، وخصوا به عموم آيات المواريث، وأن العبد لا يرث، وأمثال ذلك كثير، وردوا بعض أخبار الآحاد لعلة؛ إما أن العام يجب المصير فيه إلى العلم، وإما الطعن في الراوي وغير ذلك.
مسألة:[الكلام في التخصيص بالقياس]
اختلف القائلون بصحة القياس هل يجوز تخصيص العموم به أم لا؟
فمنهم من منع منه على كل حال وهو قول أبي علي وبعض الفقهاء والمروي عن أبي هاشم أولا.
ومنهم من قال: يخص بالقياس الجلي دون الخفي وهو المروي عن أصحاب الشافعي.
ومنهم من قال: إذا كان قد دخله التخصيص جاز تخصيصه بالقياس كما يروى عن عيسى بن أبان.
ومنهم من قال: يجب تخصيص العموم به على كل وجه إذا تكاملت شروط القياس التي تأتي في بابه إن شاء الله تعالى، وهو مذهب أكثر الفقهاء من الحنفية والشافعية وهو المحكي عن أبي الحسين(2)، وحكى شيخنا أن أبا هاشم ذهب إليه آخرا، وهو ظاهر مذهب أصحابنا وهو الذي نختاره.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه: إجماع الصحابة على استعمال أدلة القياس في تخصيص العموم، وإجماعهم حجة على ما يأتي بيانه.
Halaman 85