259

أحدهما: أنه تحصيل حكم الأصل في الفرع لاشتباههما في علة الحكم عند المجتهد، وهذا الحد قريب مما ذكره قاضي القضاة إلا أنه يرد عليهما النقض لقياس العكس كما يقول القائل: لو لم يكن الصوم من شرط الإعتكاف لما لزم وإن نذر به، كما أن الصلاة لما لم تكن من شرط الإعتكاف لم تلزم، وإن نذر بها فالأصل هو الصلاة، والحكم نفى كونها شرطا، فلم يثبت هذا الحكم في الصوم الذي هو أحد أصلي القياس، وإنما يثبت نقيضه، فهذا لم يحصل فيه حكم الأصل المفرع، وإنما حصل نقيضه، ولم يشتبها في علة الحكم بل تنافيا وهذا من القياس، فخرج عن الحدين المتقدمين، ومن حق الحد أن يكون جامعا مانعا لا يخرج عنه ما هو منه، ولا يدخل فيه ما ليس منه.

وكان شيخنا رحمه الله تعالى يجيب عن ذلك: بأنه إذا كان المعقول من القياس قياس شيء على شيء، ولا يقيسه عليه إلا وقد اعتبر حكمه، ولا يعتبر حكمه إلا بالشبه بينهما، وكان ذلك لا يصح في قياس العكس كان من تسميته مجازا فلا يقدح خروجه في حد القياس الذي ذكره الشيخ أبو الحسين.

وللمعترض على هذا الحد أن لا يسلم تسميته مجازا؛ لأنه خارج عن حد المجاز؛ لأن المجاز يفيد ما استعير له، وهذا وضع أفاد ما في الأصل، ولكن القياس ينقسم إلى: قياس الطرد، وقياس العكس.

فقياس الطرد: يحمل فيه الشيء على الشيء، ويجرى عليه حكمه باعتبار ضرب من الشبه، لعلة رابطة بين الأصل والفرع عند المجتهد.

وقياس العكس: هو حمل الشيء على غيره لتنافيهما في علة الحكم ليجرى عليه نقيض ذلك الحكم، وتسمية هذا القياس عند أهل الشرع ظاهرة، وإن لم يكثر استعماله.

فإذا الحد الشامل للقياسين أن يقال: القياس هو حمل الشيء على الشيء وإجراء حكمه عليه بضرب من الشبه لعلة تربط بين الأصل والفرع، أو حمل الشيء على الشيء وإجراء نقيض حكمه عليه بضرب يوجب اختلافهما في الشبه لتنافي علة الأصل والفرع؛ فهذا الحد يجمع القياسين.

Halaman 284