Safwat Ikhtiyar
صفوة الاختيار في أصول الفقه
Genre-genre
وإذا تأولت الأمة الآية بتأويل فإن شيخنا رحمه الله تعالى كان يذهب إلى أنهم إن نصوا على فساد ما عداه لم يجز إحداث تأويل سواه، وإن لم ينصوا على فساد ما عداه جاز إحداث تأويل آخر وأكثر، قال: لأن ذلك لا يكون مخالفة لهم، ولأن التابعين لهم ومن بعدهم قد أحدثوا تأويلات، ولم ينكر بعضهم على بعض، وكان إجماعا منهم على جوازه.
قال: ولأنه لا يمتنع أن يكون في الآية تأويلان ويريدهما الله سبحانه بشرط البحث عنهما فتستجزيء الأمة بأحدهما، ويأتي من بعدهم فيقول بالآخر، وكلاهما حق، وجملة الأمر أن الكلام مبني على أن لا يكون في الثاني إبطال الأول، ولا نفي حكمه ولا نقضه.
وعندنا أن الكلام في هذه المسألة يحتاج إلى تفصيل: وهو أن التأويل الثاني إن كان المرجع به إلى النقل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى اللغة لم يجز إحداثه؛ لأنه لا يجوز أن يغبى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جماعتهم، وكيف وهم أصل الرواية عنه، والمعلوم من حالهم التنافس في الرواية والمبادرة إلى البيان في التبليغ، وكذلك هم أهل اللغة وفرسانها، وعبار بحورها، والمبرزون في معرفتها، ولا يجوز والحال هذه أن يحصل لمن بعدهم في ذلك العلم بشيء جهلوه، وإن كان التأويل يرجع إلى المعنى، ولم يكن ينافي التأويل الأول ولا ينقض حكمه فإنه يجوز إحداثه؛ لأن التعبد به يحسن، وليس فيه بطلان تأويلهم، ولا نقض إجماعهم، ولا يمتنع تعذر إحاطتهم بجميع المعاني، بل ذلك المعلوم من حالهم وحال جميع العباد.
Halaman 269