207

فصل:[الكلام في التأسي، هل وجب عقلا أو شرعا؟]

وقد اختلف الناس في التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فمنهم من أوجب ذلك عقلا، ومنهم من أوجبه شرعا.

وكان شيخنا رحمه الله تعالى يمنع من إيجابه من جهة العقل، وهو الذي نختاره.

والدليل على صحته: أن العقل يقضي بتجويز اختلاف التكليف بتجويز اختلاف المصالح، والمصالح تختلف بالأزمنة والأمكنة، والمكلفين فكان لا يمتنع في العقل أن تكون مصلحته صلى الله عليه وآله وسلم مخالفة لمصلحتنا، ومتعلقة بغير ما تعلقت به مصلحتنا فيجب عليه ما لا يجب علينا، ويحل له ما لا يحل لنا، ويحرم عليه ما لا يحرم علينا، وقد كان ذلك، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم وجبت عليه الوتر والأضحية، ولم تجبا علينا، وحل له نكاح ما فوق الأربع ولم يحل لنا، وحرم عليه وعلى أهل بيته عليه وعليهم السلام النذر والصدقات، ولم تحرم على سائر الأمة، فإذا كانت دلالة العقل تمنع من التأسي به، فكيف تكون دلالة عليه.

مسألة:[الكلام في وجوب التأسي بالنبي في جميع أفعاله إلا ما

خصه دليل]

واعلم أنه يجب علينا التأسي به صلى الله عليه وآله وسلم في جميع أفعاله الشرعية إلا ما خصه الدليل، وهذا مذهب شيوخنا، وهو الذي كان شيخنا رحمه الله تعالى يعتمده ويحتج له، ونحن نختاره.

ومن الناس من قال: يجب علينا التأسي في أمور مخصوصة دون غيرها خصتها الدلالة نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))، وقوله عليه السلام: ((خذوا عني مناسككم)) وما شاكل ذلك.

وحكى شيخنا رحمه الله تعالى عن أبي علي بن خلاد(1) أنه قال: إنما يجب علينا التأسي به في باب العبادات دون غيرها من المناكح وسائر الأفعال.

Halaman 232