Safwat Casr
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
Genre-genre
نجل ساكن الجنان المغفور له البرنس أحمد باشا
في مقدمة حضرات أصحاب السمو أمراء العائلة العلوية المالكة، الذين اشتهروا بالرحلات النائية والصيد والقنص والشغف العظيم بالفنون الجميلة حضرة صاحب السمو الأمير الجليل يوسف كمال باشا، فمن رحلاته الشيقة قيامه وحضرة صاحب السمو السلطاني الأمير كمال الدين حسين، نجل ساكن الجنان المغفور له السلطان حسين كامل الأول في يوم الأحد الموافق 12 يناير سنة 1924 برحلة بصحراء ليبيا، وقد استعد لهذه الرحلة الاستعداد كله، حيث استحضرا من فرنسا السيارات التي تتسلق الجبال والتلول، واستحضرا المهندسين الفرنسيين الأكفاء الذين رافقوا البعثة الفرنسية، التي اخترقت الصحراء الكبرى من طنجة إلى تمبوكتو، وقطعت هذه الرحلة في سبعة أيام متتالية وقد كان الغرض من هذه الرحلة العظيمة التوصل إلى اكتشاف جهات لم يصل إليها المكتشفون بعد، والاهتداء ضمنا على رسالة الرحالة «رولنس»، تلك التي وضعها داخل زجاجة، وأودعها مكانا وصفه في إحدى رسائله، ولقد كان النجاح في هذه الرحلة الشاقة الخطيرة عظيما جدا، فالحمد لله على تلك النهضة العالية التي تمشت روحها في أمرائنا الفخام، حيث إنهم يبذلون جهودهم الفائقة، وذكاءهم النادر في خدمة مصرهم العزيزة بخدمتهم للعلم حتى لقد أصبحنا ولله الحمد بفضل جهودهم نفاخر أعاظم ممالك العالم المتمدين، ونتصور أنا نقترب شيئا فشيئا من الوصول إلى أوج الكمال بفضلهم، ذلك الكمال الذي كانت عليه مصر القديمة أيام كانت مهد الحضارة والمدنية ومنار العرفان الذي يهتدي به كل ضال، وبحر العلوم الفياضة الذي ينهل منه كل ظمآن، ولسموه في رحلاته العديدة مجلدات ضخمة منها: (1)
سياحته في بلاد الهند الإنجليزية وكشمير سنة 1915 وقد طبع الجزء الأول بمطبعة المعارف سنة 1920. (2)
سياحته في بلاد «التيبت» الغربية وكشمير أيضا عام 1915م طبع بمطبعة المعارف أيضا، وكل من هذين الجزأين محلى بالصور والرسوم من المناظر التي وقع عليها نظره الكريم في هاتين الرحلتين، ومن الكتب القيمة التي أشار بتعريبها وطبعها على نفقته الخاصة كتاب الرحلة الأولى للبحث عن ينابيع البحر الأبيض «النيل الأبيض»، الصادر به أمر ساكن الجنان محمد علي والي مصر بقيادة ربان الفرقاطة البكباشي سليم قبودان، وهي ملخصة من المجموعة الرسمية للجمعية الجغرافية في عددها الصادر في شهر يوليو سنة 1842، ونقلها إلى اللغة العربية حضرة محمد مسعود بك المحرر الفني بوزارة الداخلية، طبعت سنة 1920م. «ولمحة عامة إلى مصر» تأليف أ. ب. كلوت بك، ومعربها حضرة محمد مسعود بك أيضا، وكتاب «مصر في القرن التاسع عشر»، وهي سيرة جامعة لحوادث ساكن الجنان محمد علي باشا وإبراهيم باشا، والمغفور له سليمان باشا الفرنسي من الوجوه الحربية والسياسية والقصصية تأليف إدوار جوان وتعريب محمد بك مسعود أيضا طبع سنة 1921م.
ولسمو الأمير الجليل يوسف كمال باشا ولع عظيم بالصيد والقنص، وطالما قصد الأقطار السودانية وتوغل في غاباتها وأحراشها بغية صيد الوحوش الكاسرة كالأسد والدب وغيرهما، وقد تفضل حفظه الله وأبقاه فأهدى كثيرا منها لحديقة الحيوان بالقاهرة، وسموه أيضا حصن منيع لكل مشروع خيري كملجأ الحرية والجمعيات الخيرية، ومؤسس مدرسة الفنون الجميلة، ومستشفى المطرية فهو والحق يقال أمير الخير وأمير البر وأمير الشجاعة والبأس.
ولسمو الأمير تفاتيش عديدة واسعة وأطيان شاسعة في الوجهين البحري والقبلي، ويعد سموه من أكبر المحسنين والمعضدين لكل مشروع مفيد، وله باع طويل في مساعدة الفنون الجميلة على اختلاف أنواعها، كما اشتهر سموه باللطف ودماثة الأخلاق وعلو النفس والكرم الحاتمي، وهو محبوب جدا من عموم طبقات الأمة المصرية بوجه خاص لما آنسوا في شخص سموه الكريم من العواطف السامية والخصال النبيلة، أدامه الله وأبقاه ومتعه بنعيم الحياة وجعل الجنة في الآخرة مثواه. (5) ترجمة حضرة صاحب السمو السلطاني الأمير الجليل كمال الدين حسين
إنا وإن كنا لم نتمكن من الحصول على ترجمة وافية لحضرة صاحب السمو السلطاني الأمير كمال الدين حسين، لتغيبه في رحلة نائية عن مصر، ومع ما بذلناه من المجهودات الشاقة للعثور على ما يشفي غليل القارئ الكريم عن حياة هذا الأمير الجليل، فلم نعثر إلا على فذلكة صغيرة لسموه، واعدين حضرات القراء الكرام أن نأتي بترجمة وافية لسموه في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.
هو الأمير كمال الدين حسين نجل المغفور له صاحب العظمة السلطان حسين الأول وحفيد الخديوي إسماعيل باشا.
ولد حفظه الله بالقاهرة، فاعتنى المغفور له والده بتربيته التربية السامية التي تليق بمثله، فشب ملحوظا بعناية الله وكان خير مثال للذكاء والنبوغ والهمة العالية، وإن ميله إلى الزراعة لعظيم جدا لعلمه أنها مصدر حياة البلاد، وله اليد الطولى في الأعمال الخيرية ومساعدة العلم، وإخلاصه لبلاده يفوق حد الحصر، كما وأنه في ميله إلى خدمة العلم ليسهل كل صعب، وكم تجشم من الأخطار في سبيل اكتشافات عظيمة تخلد لمصر عظيم الفخر بين أعاظم الأمم المتحضرة، التي تفخر بالمخترعين والمكتشفين من أبنائها، وإن رحلته المشهورة في الصحراء لمن أجل الرحلات وأشقها، وقد قام بها باحثا عن رسالة الرحالة رولنس الشهير، الذي كان قد جمع من المعلومات الجغرافية، ووصف شعوب أفريقيا الشيء الكثير أودعها مذكرات قيمة، وضعها داخل زجاجة وأخفاها في مكان وصفه ضمن رسالة أرسلها عندما أحدقت به العرب وقتلته، فقد قام صاحب السمو برحلته هذه العظيمة للتوسع في الاستكشاف والحصول على هذه الرسالة، وقد كانت من الغرابة بمكان فإنه ألقى محاضرة عظيمة بالمجمع العلمي الجغرافي تضمنت ما حصل عليه من المعلومات القيمة، والغرائب الكثيرة، وما لقيه من المشاق العظيمة، فجاءت تلك المحاضرة شاهدا آخر على ما لسموه من سمو المدارك وعلو الهمة، وعلى مقدار شغفه بالعلم وحبه العظيم له، وتضحياته الكثير من الأعمال الخيرية، وتخفيف ويلات المنكوبين والمكروبين، وسد عوز المحتاجين، فهو رجل الإحسان بالمعني الصحيح، وهو محسن في أعماله محسن في أقواله محسن في آرائه محسن في كل شيء.
وإن في تاريخ سموه الأمثلة العديدة التي يحسن سياقها للتدليل على ذلك، فقد أظهر من الكياسة وأصالة الرأي وبعد النظر والجدارة، وأنه هو الرجل الحقيقي «والرجال قليل». تولى رئاسة الجمعية الخيرية الإسلامية عقب أن سعدت البلاد بتبوء صاحب العظمة والده عرش مصر، وكانت رياسة الجمعية مسندة إليه، فأسندت رياستها إلى صاحب الترجمة فقام بما عهد إليه خير قيام، وبرهن على أنه الوحيد الذي صدق رأي الجمعية في اختياره، وأنه فوق ذلك مثال المروءة والشهامة والوفاء، وأننا لا يسعنا وصف وفائه ولو أتينا من البسطة في التعبير والقوة في الكتابة ما شئنا وشاءت لنا الأقدار، وإننا لنسجل لسموه بمداد الإعجاب تنازله عن ملك مصر بعد أبيه، وإيثاره عمه حضرة صاحب الجلالة فؤاد الأول على نفسه، فبرهن بذلك على مقدار وفائه ومحبته لمصره العزيزة، وفضل التفرغ لخدمة العلم، وخدمة بلاده لشدة محبته لهما بعيدا عن مشاغل السياسة والملك، مقدما لها من يحسن سياستها وهكذا تكون الرجال وإلا فلا.
Halaman tidak diketahui