Safwat Casr
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
Genre-genre
ولما رأى محمد علي أن الوهابيين لم ينفذوا شروط الصلح جهز حملة أخرى، وأرسلها إلى بلاد العرب بقيادة ابنه إبراهيم باشا، ورافقه في هذه الحملة القائد العظيم سليمان باشا في شوال سنة 1231ه/سبتمبر سنة 1916م، وقد أعمل الفكر ذلك البطل العظيم في استنباط الخطط الحربية التي أوقفته بين صميم عظماء الرجال ومشاهير القواد، فأول موقعة التحم فيها جيشه مع الوهابيين كان عند «البريس» سنة 1232ه/سنة 1817م، وفي هذه المقتلة انهزم جيشه هزيمة لم تثن من عزمه ولم تفت في ساعده، بل استمر سنة كاملة في كفاح وجدال حتى ذلل كل الصعوبات؛ ولذلك أخضع قرى كثيرة وصار قاب قوسين أو أدنى من الدارعية حاضرة الوهابيين، وهي على بعد 400 ميل من المدينة المنورة التي اتخذها قاعدة لأعماله الحربية، وحاصر إبراهيم باشا الدارعية في جمادى الثانية سنة 1233ه/وأول شهر أبريل سنة 1818م، وفي هذه الأثناء انفجر مخزن ذخيرته فلم تفتر همته ولم يساوره اليأس؛ لأنه كان على يقين من استياء العالم الإسلامي أجمع من فظاعة الوهابيين، وعند ذلك اضطر عبد الله إلى الخضوع والاستسلام لسيطرته وسلطانه، فسلم نفسه في ذي القعدة سنة 1233ه/سنة 1818م ولم يعامله إبراهيم باشا إلا بكل كرامة وإحسان، ثم أرسله إلى أبيه بالقاهرة فبالغ في إكرامه أيضا، وأرسله إلى الباب العالي وبعد وصوله بزمن قليل أمر به فقتل وقد ضرب إبراهيم باشا مدينة الدارعية، وتركها أثرا بعد عين، وهكذا انتهت الحروب في بلاد العرب بعد القضاء على سلطة الوهابيين.
سليمان باشا الفرنساوي، منظم الجند المصري.
فتح السودان
فكر محمد علي باشا في فتح السودان، فأرسل خمسة آلاف مقاتل بقيادة إسماعيل باشا ابنه الثالث فتوجه في شعبان سنة 1235ه، ففتح شندي والمتمة وسنار فالخرطوم، وأخضع قبيلة الشائفية وكردوفان وتقدم إلى فذقل وتفشى المرض في جيش إسماعيل، فمات كثير من جنوده في هاتيك البقاع المقفرة، فأمده والده بثلاثة آلاف مقاتل تحت قيادة صهره أحمد بك الدفتردار، فأقامه على كردوفان. وصار هو إلى المتمة فقتله نمر ملك شندي بحيلة غريبة، وهو أنه أقام مأدبة فاخرة دعا إسماعيل لحضورها، فلبى طلبه فأمر «نمر» أتباعه وأشياعه أن يجعل حول منزله حطبا ومواد ملتهبة ثم يضرمون فيها النار، ففعلوا. فشبت النار في المنزل فدمرته وحرقت جميع من فيه، وكان من بين المحروقين إسماعيل باشا، فلما بلغ أحمد بك الدفتردار صهره زحف بما لديه من الجند وحارب الملك النمر مستقتلا حتى تمكن من النصر والظفر. وقتل عشرين ألف نفس انتقاما لإسماعيل وأخذا بثأره.
جامع محمد علي بالقلعة.
ثم أخذ محمد علي بعدئذ في العناية بأحوال الجهادية فأسس لها مدرستين حربيتين الأولى للمشاة في الخانكا، والثانية للطوبجية وعين لها نظارا فرنساويا يدعى الكولونيل «ساف»، وهو الذي اعتنق الإسلام، وسمي سليمان باشا الفرنساوي ثم أنشأ في القاهرة معامل لسبك المدافع والرصاص كما شاد في الإسكندرية حصنا حصينا، ثم التفت بعين عنايته إلى داخلية البلاد فأصلح شؤونها وعني بزراعتها وتجارتها، فأتى ببذور القطن الأمريكي من الهند، وأكثر من زراعة الأشجار في البنادر والثغور والعواصم والأباعد والجفالك؛ تلطيفا للهواء وهبوب الزوابع في الصيف ثم أنشأ ميناء الإسكندرية، وحفر ترعة المحمودية، وبني معامل للقطن، والنيلة، والطرابيش، وشيد مدرسة طبية وصيدليات ومستشفيات بنظارة الدكتور كلوت بك.
وألف مجلسا للمعارف وأرسل كثيرا من طلبة العلم إلى أوربا لاقتباس نور المعارف والفنون، وأمر بغرس حديقة الأزبكية، وتقسيم القطر المصري إلى مديريات ومراكز، وشيد القناطر الخيرية ومطبعة بولاق الأميرية، كما أنه شيد المسجد الشهير باسمه الكائن بالقلعة بمصر، وأمد الدولة العلية عام 1239ه بحملة مصرية في حرب المورة، وأخضع حكام سورية وفي مقدمتهم عبد الله باشا حينما جاهروا بالعدول ضد الدولة العلية، وقد فتح كل البلاد السورية، واستولى على حلب على يد ابنه إبراهيم، فأوجس الباب العالي خيفة فأرسل جيشا لإرجاع العساكر المصرية، فلم يستطع إلى ذلك سبيلا؛ لأن إبراهيم باشا كان قد تقدم في آسيا الصغرى تقدما سريعا كاد يتهدد به الأستانة، ثم عقدت على أثر ذلك معاهدة لندن سنة 1255ه، التي قضت بأن يبقى محمد علي تابعا لدار الخلافة العثمانية. ثم أرسل إليه الباب العالي فرمانا همايونيا مؤرخا في 21 ذي الحجة سنة 1256ه يخوله حق وراثة الأريكة المصرية لأعقابه، ويؤيد ولايته على نوبيا ودارفور وكردوفان فضلا عن القطر المصري.
الدكتور كلوب بك ناظر مدرسة الطب والصيدليات.
وفي عام 1262ه توجه إلى دار السعادة فأكرم جلالة السلطان الأعظم وفادته، ثم عاد إلى مصر شاكرا داعيا وفي أثناء رجوعه مر على «قوله» وطنه الأول، وبني فيها كثيرا من الأبنية الخيرية لفقرائها، وظل في مصر بين آيات التعظيم وتحت رايات التبجيل لغاية سنة 1264ه، إذ مرض مرض الشيخوخة وخلفه ابنه إبراهيم باشا، ونقل هو للإسكندرية تبديلا للهواء، ولكن لم يستقر به المقام حتى توفاه الله في 18 رمضان سنة 1266ه الموافق 2 أغسطس سنة 1850م، وكان عمره إذ ذاك 84 سنة قمرية، ثم نقلت جثته إلى القاهرة بمزيد الاحتفاء والاحتفال، ودفنت بجامع القلعة بملء الإكرام. تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته.
ترجمة إبراهيم باشا
Halaman tidak diketahui