فكرة ... ماذا لو جرؤ فعرض فكرته التي ضحك منها منذ أيام؟ ... نزهة في طريق الصحراء. - فكرة رائعة ... وستقص علي في الطريق تاريخ حياتك ... لا أدري لم أحب أن أعرف شيئا عنك ... إن هدوءك يثيرني ...
هدوء؟ وفي رأسه عشرات الأفكار تصطرع وتتسابق، كل منها تحاول أن تصل إلى نطاق التنفيذ ... هدوءه؟ وقلبه يكاد يخر تحت ضربات الفرح والانفعال الثائرة ... حمدا لله الذي لم يجعل العقل والقلب من أطراف الجسم الظاهرة كاليد والعينين ... وإلا لرأت في عقله عشرات الأفكار البيضاء والسوداء على حد سواء ... بعضها يزين له أن يحيط خصرها بذراعيه إذا ما أوغلت السيارة في طريق الأهرام، ثم يلثم خدها في رفق وأدب وحنان، وبعضها يهمس له ساخرا بقبلة الخد قائلا إنها أبعد طريق إلى قلب المرأة، ماذا لو لثم شفتيها ... لو بدا طفلا وتجاهل النار؟ وأفكار أخرى سوداء ... تلك الفكرة التي طردها في عنف والسيارة قد شارفت نهاية شارع الهرم، وأوشكت أن تنحرف إلى الصحراء ... هل يفعل ذلك؟ ينظر إليها في خبث، ويقول وقد أومأ برأسه: «ما لنا وللصحراء! ... دوري بالسيارة إلى المدينة، إلى شقتك الأنيقة نحتسي كأسا أولا.»
هو لا يشرب الخمر، وثانيا هي سوف لا تقبل ... سوف تنظر إليه في احتقار ... وسوف تدور بسيارتها فعلا، وتنهب الطريق إلى المدينة، وستقف حيث لقيته، وستقذف به في نظرة ازدراء قاسية دون أن تتكلم، هذا الاعتراض الثاني لو أنه تهدم لجرف في سبيله الاعتراض الأول ... لشرب حتى ثمل ... يا لها من فكرة ... فكرة سوداء ... تهوم فوق صورتها في خياله ... ثم تستقر على عقله لحظة ... فيطردها في عنف فتهوم من جديد، ثم تعود ليطردها من جديد، وتضنيه مطاردتها فيستقر لحظة ... يخيل له فيها أنها دارت بسيارتها، ووقفت السيارة أمام دارها ... وهبطت وهي تدعوه في دلال، ويدخلان سويا ... وتقدم له كأسا ... ويشرب الكأس، ويلثم الشفاه القانية، و... الثمن ... ثمن ساعة مرحة مع ماجدة ... وتفزع أفكاره جميعا، وكأنها طيور صغيرة هبطت فوقها كف طير جارح، ويطرق أذنية صوتها وهي تسأله: تعرف تسوق السيارة؟
ويجيب، وقد استراح من أفكاره، وهو يضحك: لا أبدا ... أعرف ركوبها فقط ... - مع أنها سهلة جدا ... - سهلة صحيح ... لكن لا بد من سيارة ليقودها الإنسان، هذا هو الصعب في الموضوع.
تقف السيارة ... ويقف المحرك، وتمد يدها بعلبة السجائر، وتقول وهي تشعل له: حدثني عن نفسك.
وتنطفئ الولاعة مرتين قبل أن تشعل سيجارته ... كانت يده تضطرب، وأنفاسه تلهث ... وكأنها كانت تطارد أفكاره، ويقول لها وقد ملك عنان نفسه: أنا ... محام تحت التمرين ... أعمل بمكتب الأستاذ وصفي منذ عامين، وأنال منه مكافأة شهرية قدرها عشرون جنيها ... عمري ...
وتقاطعه قائلة في تهكم: محضر تحقيق! عمرك ومرتبك، هذه معلومات تقدمها للخاطبة، أنا أسألك عن حياتك ... تفكيرك ... ماذا تقرأ، وماذا تحب؟
جالت بخاطره إذ ذاك مغامراته الصغيرة من قبل ... كان يكفي أن تأتي كلمة الحب على لسان فتاة لكي يهمس في أذنها باعتراف صغير، ويتلقى الجواب من شفتيها، هل يقول لماجدة أحبك أنت، ثم ... ثم ماذا؟ هل هي إحدى فتيات صباه اللائي تستهويهن قبلة، فتضرم نار الهوى وتحرق الحياء ... كم من القبل تذوقت شفتا ماجدة؟
وأنقذه من ذلك التيه الذي شردت فيه خواطره مرة أخرى صوتها الناعم. هل قرأت ديوان «م» الأخير؟
وأجاب دون تردد: لقد قرأت بعض قصائده ... لقد خرج في هذا الديوان عن بعض تزمته، وبدا إنسانا رقيق الإحساس ... قصيدته «الموعد» مثلا ذكرتني بشعر شللي ... هل قرأت هذه القصيدة؟
Halaman tidak diketahui