ـ[الصفدية]ـ
المؤلف: تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: ٧٢٨هـ)
المحقق: محمد رشاد سالم
الناشر: مكتية ابن تيمية، مصر
الطبعة: الثانية، ١٤٠٦هـ
عدد الأجزاء: ٢ في مجلد واحد
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
_________
ملحوظة: نشرة دار الفضيلة - الرياض، لها نفس ترقيم صفحات هذه الطبعة
Halaman tidak diketahui
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
سئل الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام بقية العصر قدوة الخلف تقي الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ الإمام العالم شهاب الدين عبد الحليم ابن الشيخ الإمام العلامة مجد الدين عبد السلام بن تيمية ﵁ وأرضاه عن رجل مسلم يقول أن معجزات الأنبياء صلى الله عليهم وسلم قوى نفسانية أفتونا مأجورين
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين.
هذا الكلام وهو قول القائل: أن معجزات الأنبياء صلى الله عليهم وسلم قوى نفسانية باطل بل هو كفر يستتاب قائله ويبين له الحق فإن أصر على اعتقاده بعد قيام الحجة الشرعية عليه كفر وإذا أصر على إظهاره بعد الاستتابة قتل.
وهو من كلام طائفة من المتفلسفة والقرامطة
1 / 1
الباطنية والإسماعيلية ونحوهم كابن سينا وأمثاله وأصحاب رسائل إخوان الصفا والعبيدين الذين كانوا بمصر من الحاكمية وأشباههم وهؤلاء كانوا يتظاهرون بالتشيع وهم في الباطن ملاحدة ويسمون القرامطة والباطنية وغير ذلك
1 / 2
وأهل بيت ابن سينا كانوا من أتباع هؤلاء وأبوه وجده من أهل دعوتهم وبسبب ذلك دخل في مذاهب الفلاسفة فإن هؤلاء يتظاهرون باتباع الملل ويدعون أن للملة باطنا يناقض ظاهرها
ثم هم في هذه الدعوة على درجات فالواصلون منهم إلى البلاغ الأكبر والناموس الأعظم مثل قرامطة
1 / 3
البحرين أتباع الجنابي وأصحاب الألموت وسنان الذي كان بالشام وأمثالهم لا يعتقدون وجوب الصلوات الخمس ولا الزكاة ولا صيام شهر رمضان ولا حج البيت العتيق ولا تحريم ما حرم الله ورسوله من الخمر والميسر والزنا وغير ذلك ويزعمون أن هذه النصوص لها
1 / 4
تأويل وباطن يخالف الظاهر المعلوم للمسلمين فالصلاة عندهم معرفة أسرارهم والصيام كتمان أسرارهم والحج زيارة شيوخهم وأمثال ذلك وقد يقولون أن هذه الفرائض تسقط عن الخاصة دون العامة وأما النصوص التي في المعاد وفي أسماء الله وصفاته وملائكته فدعواهم فيها أوسع وأكثر
وقد دخل في كثير من أقوالهم في العلوم أو في العلوم والأعمال طائفة من المنتسبين إلى التصوف والكلام وكلام ابن عربي وابن سبعين وأمثالهما من ملاحدة المتصوفة يرجع إلى قول هؤلاء.
وهؤلاء الملاحدة من المتفلسفة والقرامطة ومن وافقهم يقولون أن النبوة لها ثلاث خصائص من قامت به فهو نبي والنبوة عندهم لا تنقطع بل يبعث الله بعد كل نبي نبيا دائما وكثير منهم يقول أنها مكتسبة وكان السهروردي
1 / 5
المقتول منهم يطلب أن يصير نبيا وكذلك ابن سبعين كان يطلب أن يصير نبيا وكانوا يعلمون من السحر والسيماء ما يضلون من يلبسون عليه:
الخاصة الأولى: أن تكون له قوة قدسية وهي قوة الحدس بحيث يحصل له من العلم بسهولة ما لا يحصل لغيره إلا بكلفة شديدة وقد يعبرون عن ذلك بأنه يدرك الحد الأوسط من غير احتياج إلى ما يحتاج إليه من ليس مثله وحاصل الأمر أنه أذكى من غيره وأن العلم عليه أيسر منه على غيره.
الخاصة الثانية: قوة التخييل والحس الباطن بحيث يتمثل له ما يعلمه في نفسه فيراه ويسمعه فيرى في نفسه صورا نورانية هي عندهم ملائكة الله ويسمع في نفسه أصواتا هي عندهم كلام الله من جنس ما يحصل للنائم في منامه ومن
1 / 6
جنس ما يحصل لبعض أهل الرياضة ومن جنس ما يحصل لبعض الممرورين الذين يصرعون ويقولون إن ما أخبرت به الرسل من أمور الربوبية واليوم الآخر إنما هو تخييل وأمثال مضروبة لا أنه إخبار عن الحقائق على ما هي عليه.
الخاصة الثالثة أن تكون له قوة نفسانية يتصرف بها في هيولي العالم كما أن العائن له قوة نفسانية يؤثر بها في المعين ويزعمون أن خوارق العادات التي للأنبياء والأولياء هي من هذا النمط وأصل أمر هؤلاء أنهم لا يثبتون لصانع العالم مشيئة واختيارا وقدرة بها يقدر على تغيير العالم وتحويله من حال إلى حال بل وأئمتهم لا يثبتون علمه بتفاصيل أحوال العالم بل منهم من يقول لا يعلم شيئا ومنهم من يقول لا يعلم إلا نفسه ومنهم من يقول يعلم الجزئيات على وجه كلي وهذا اختيار ابن سينا وهو أجود أقوالهم مع تناقض هذا القول وفساده.
1 / 7
فإن كل موجود في الخارج هو موجود معين جزئي والكليات إنما تكون كليات في الأذهان لا في الأعيان ونفس الصانع موجود واجب معين ليس هو كليا وكذلك أيضا الصادر عنه كالأفلاك وكالعقول والنفوس التي يثبتونها فإن كان لا يعلم إلا كليا لم يعلم نفسه ولا الصادر عنه ولا الأفلاك وأيضا فلا يوجد إلا ما هو جزئي فإن كان لا يعلم إلا الكليات لم يعلم شيئا من الموجودات.
وهم يقولون أنه علة تامة مستلزمة للعالم والعالم متولد عنه تولدا لازما بحيث لا يمكن أن ينفك عنه لأن العلة التامة مستلزمة لمعلولها وقولهم أن النفوس والعقول معلولة له ومتولدة عنه أعظم كفرا من قول من قال من مشركي العرب أن الملائكة بنات الله قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ وهؤلاء المتفلسفة يقولون العقل بمنزلة الذكر والنفس بمنزلة الأنثى وكلاهما متولد عن الله تعالى وأولئك كانوا يقولون أنه خلق الملائكة بمشيئته وقدرته وأنه هو رب السماوات والأرض وأما هؤلاء فيقولون أن العقول التي يسميها من يتظاهر بالإسلام منهم ملائكة يقولون أنها معلولة متولدة عن الله لم
1 / 8
يخلقها بمشيئته وقدرته ويقولون أنها هي رب العالم فالعقل الأول أبدع كل ما سوى الله عندهم والثاني أبدع ما سوى الله وسوى العقل الأول حتى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر الفعال المتعلق بفلك القمر فيقولون أنه أبدع ما تحت الفلك فهو عندهم المبدع لما تحت السماء من هواء وسحاب وجبال وحيوان ونبات ومعدن ومنه يفيض الوحي والعلم على الأنبياء وغيرهم والخطاب الذي سمعه موسى إنما كان عندهم في نفسه لا في الخارج وهو فيض فاض عليه من هذا العقل الفعال ومنهم من يقول جبريل فلما كان أصل قولهم أن صانع العالم لا يمكنه تغيير العالم ولا له قدرة ولا اختيار في تصريفه من حال إلى حال جعلوا يريدون أن ينسبوا جميع الحوادث إلى أمور طبيعية ليطرد قولهم ويسلم عن التناقض وهو قول فاسد متناقض في نفسه وذلك أنا نشاهد الحوادث التي تحدث مثل حركات الكواكب وطلوع الشمس والقمر ومثل المطر والسحاب وهبوب الرياح وحدوث الحيوان والنبات والمعادن وغير ذلك من الحوادث
1 / 9
فإذا كان أصل قولهم أن الصانع هو موجب بالذات وهو علة تامة أزلية مستلزمة لمعلولها لم يتأخر عنها شيء من معلولها فإن العلة التامة هي التي تستلزم معلولها والموجب بالذات هو الذي تكون ذاته مستلزمة لموجبه ومقتضاه فلا يجوز أن يتأخر عنه شيء من موجبه ومعلوله ولهذا قالوا بقدم العالم وهذا أعظم حججهم على قدم العالم قالوا لأن الحادث بعد أن لم يكن لا بد له من سبب حادث وإلا لزم ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح ثم القول في ذلك السبب الحادث كالقول فيما قبله فيلزم التسلسل الممتنع باتفاق العقلاء بل يلزم الدور الممتنع بخلاف التسلسل المتنازع فيه فإن وجود الحوادث دائما بلا ابتداء ولا انتهاء للناس من المسلمين وغيرهم فيه ثلاثة أقوال قيل يجوز مطلقا وهذا قول أئمة السنة والحديث وأساطين الفلاسفة لكن المسلمون وسائر أهل الملل وجمهور العقلاء من جميع الطوائف يقولون أن كل ما سوى الله مخلوق حادث بعد أن لم يكن وإن قال منهم من قال بدوام الحوادث شيئا بعد شيء
1 / 10
وقيل لا يجوز لا في الماضي ولا في المستقبل وهو قول الجهم بن صفوان وأبي الهذيل العلاف وقيل يجوز في المستقبل دون الماضي وهو قول أكثر أتباع جهم وأبي الهذيل من الجهمية والمعتزلة والأشعرية والكرامية ومن وافقهم وأما تسلسل العلل أو الفاعلين أو ما هو من تمام الفاعل أو العلة الفاعلة فممتنع باتفاق العقلاء مثل أن يقال لفاعل العالم فاعل ولذلك الفاعل فاعل وهلم جرا فهذا التسلسل قد اتفق العقلاء على امتناعه وقد بسطنا الدلائل العقلية على امتناعه في غير هذا الموضع وكذلك إذا قيل الحادث لا بد له من سبب حادث وذلك السبب لا بد له من سبب حادث فإن هذا إذا أريد به الحادث المعين لزم التسلسل في تمام الفاعلية وإن أريد به نوع الحوادث لزم الدور الممتنع
1 / 11
والدور نوعان أحدهما الدور القبلي السبقي فهذا ممتنع باتفاق العقلاء مثل أن يقال لا يكون هذا إلا بعد ذاك ولا يكون ذاك إلا بعد هذا فهذا ممتنع باتفاق العقلاء ونفس تصوره يكفي في العلم بامتناعه فإن الشيء لا يكون قبل كونه ولا يتأخر كونه عن كونه فلو قيل إن الشيء لا يوجد إلا بعد أن يوجد لكان هذا ممتنعا فكيف إذا قيل أنه لا يكون إلا بعد ذاك وقيل أيضا ذاك لا يكون إلا بعد هذا فإنه يلزم أن يكون قبل قبل نفسه وبعد بعد نفسه فلزم الدور الممتنع أربع مرات فإنه إذا قيل لا يكون هذا إلا بعد ذاك كان ذاك قبل هذا وإذا قيل لا يكون ذاك إلا بعد هذا كان هذا بعد ذاك لا قبله فيلزم أن لا يكون هذا إلا قبل ذاك الذي هو قبل هذا وأن لا يكون ذاك إلا قبل هذا الذي هو قبل ذاك فيكون ذاك قبل ذاك بمرتبتين ويكون هذا قبل هذا بمرتبتين فلهذا اتفق العقلاء على امتناع هذا وأما الدور المعي الاقتراني مثل أن يقال لا يكون هذا إلا مع ذاك لا قبله ولا بعده فهذا جائز كما إذا قيل لا تكون الأبوة إلا مع البنوة وقيل أن صفات الرب اللازمة له لا تكون إلا مع ذاته وعلمه مع حياته وقدرته مع علمه ونحو ذلك
1 / 12
فإذا قيل إن جنس الحوادث لا يحدث إلا بسبب حادث كان المعنى أنه لا يكون شيء من الحوادث حتى يكون حادث فلايكون حادث من الحوادث ألبتة حتى يسبقه حادث والسابق من الحوادث التي جعلت متأخرة عن هذا الحادث وجعلت الحوادث كلها بعده فيلزم أن يكون الشي قبل نفسه وأما إذا قيل لا يكون الحادث المعين حتى يكون حادث ثم ذلك الحادث لا يكون حتى يكون حادث فهذا على وجهين إن قيل لا يكون الحادث حتى يكون قبله حادث فهذا التسلسل في الآثار وفيه الأقوال الثلاثة للمسلمين وليس الخلاف في ذلك بين أهل الملل وغيرهم كما يظنه كثير من الناس بل نفس أهل الملل بل أئمة أهل الملل أهل السنة والحديث يجوزون هذا النزاع في كلمات الله وأفعاله فيقولون إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء وكلمات الله دائمة قديمة النوع عندهم لم تزل ولا تزال أزلا وأبدا وقد بسط هذا وما يناسبه في موضع آخر وذكر بعض ما في ذلك من أقوال أئمة السنة والحديث وأما ما يذكره كثير من أهل الكلام عن أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى أن الله لم يزل معطلا لا يتكلم ولا يفعل شيئا ثم حدث ما حدث من كلام ومفعولات بغير سبب حادث فهذا قول لم ينطق به شيء من كتب الله لا القرآن ولا التوراة ولا الإنجيل ولا الزبور ولا نقل هذا عن أحد من أنبياء الله ولا قاله أحد من الصحابة
1 / 13
أصحاب نبينا ﷺ ولا التابعين لهم بإحسان ولكن الذي نطقت به الكتب والرسل أن الله خالق كل شيء فما سوى الله من الأفلاك والملائكة وغير ذلك مخلوق ومحدث كائن بعد أن لم يكن مسبوق بعدم نفسه وليس مع الله شيء قديم بقدمه في العالم لا أفلاك ولا ملائكة سواء سميت عقولا ونفوسا أو لم تسم والحديث الذي في صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي ﷺ أنه لما قدم عليه وفد اليمن قالوا: جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر فقال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على
1 / 14
الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض" قد ذكرنا ألفاظه وطرقه وذكرنا الحديث الآخر الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ أنه قال: "قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" والحديث الآخر الذي رواه مسلم أيضا في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه كان يقول: " أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر" وذكرنا أن حديث عمران رواه البخاري في ثلاثة مواضع بثلاثة ألفاظ كان الله ولم يكن شيء قبله ورواه في موضع ولم يكن شيء معه ورواه في موضع آخر ولم يكن شيء
1 / 15
غيره وأن المجلس كان واحدا لم يقل النبي صلى الله
1 / 16
عليه وسلم إلا واحدا من الثلاث وقد ثبت أنه قال: "ليس قبلك شيء" واللفطان الآخران رويا بالمعنى وبينا على كل تقدير أن مراد النبي ﷺ جواب أهل اليمن عما سألوه من ابتداء خلق هذا العالم الذي خلق في ستة أيام وكان عرش الله على الماء قبل ذلك وقدر الله مقادير هذا العالم قبل أن يخلقه بخمسين ألف سنة والمقصود هنا أنه إذا قيل لا يكون حادث حتى يكون حادث فهذا على وجهين أحدهما أنه لا يكون حادث حتى يكون قبله حادث فهذا فيه نزاع مشهور والثاني أن يقال أنه لا يكون حادث حتى يكون معه حادث لامتناع حدوث الحادث بلا سبب حادث لأن الفاعل لا يفعل بعد أن لم يكن فاعلا إلا لحدوث سبب حادث فهذا يوجب أن القديم لا يصدر عنه حادث ألبتة لأنه متى حدث حادث بلا سبب حادث انتقضت القضية الكلية فيلزم أن لا يفعل البتة شيئا وإن فعل لزم ترجيح أحد المتماثلين بلا مرجح وهذه الحجة أعيت كثيرا من أهل الكلام والنظر حتى قال كثير منهم القادر يرجح أحد طرفي مقدوره بلا مرجح وكذلك قال الآخرون نفس الإرادة القديمة هي المرجحة لأحد المثلين على الآخر
1 / 17
ونحن ننبه على ما به يعلم فساد قولهم والجواب عن حجتهم وقد بسطنا الكلام على ذلك في مواضعه فيقال إذا كان الصانع قديما موجبا بالذات وعلته تامة أزلية لزم ألا يتأخر عنه شيء من موجبه ومعلوله كما ذكروا لأن المتأخر إن كان قد وجدت كلته التامة في الأزل لزم أن يكون أزليا لا يتأخر وإن لم يوجد فقد وجدت علته التامة بعد أن لم تكن سواء كان الحادث شرطا من شروط تمام العلة أو غير ذلك ثم القول في علة تلك العلة كالقول في العلة التي هي معلول هذه فيلزم ألا يكون لشيء من الحوادث علة تامة في الأزل وهذا لازم لقولهم لا محيد عنه فإن العلة التامة تستلزم معلولها فالحادث لا تكون علته تامة في الأزل فيلزم على ذلك ألا يكون شيء من الحوادث حادثا عن العلة التامة التي هي واجب الوجود وحينئذ فأما أن تكون الحوادث حادثة بنفسها وهذا معلوم الفساد بالضرورة وهم يسلمون فساده وإما أن تكون حادثة عن فاعل آخر غير الواجب الموجود بنفسه فله فاعل ثم ذلك الفاعل إن لم يكن واجب الوجود بنفسه فله فاعل والقول في حدوث الحوادث عنه كالقول في الأول وإن كان واجب الوجود بنفسه كان القول فيه كالقول في ذلك الواجب إن كان علة تامة لزم ألا يحدث عنه حادث وإن لم يكن علة تامة بطل قولهم بالموجب بالذات فتبين فساد قولهم على كل تقدير وغاية ما يقولون أنهم يقولون أن لك حادث مشروط
1 / 18
بحادث قبله والحوادث معدات وشروط للفيض عن الواجب بذاته ويقولون أن حركة الفلك هي سبب الحوادث والتغييرات فيقال لهم هب أن الأمر كذلك فالحوادث المتعاقبة سواء كانت حركة متصلة أو غير ذلك إذا كانت لم تصدر إلا عن علة تامة لزم أن تكون مقارنة للعلة التامة فإن العلة التامة يجب أن يقارنها معلولها والموجب بذاته يقارنه موجبه حينئذ فلا يتأخر عنها معلولها فالمتأخر لا يكون معلولها فلا يكون شيء من الحوادث معلولا لها
وإذا قالوا حدوث الأول أعدها لإحداث الثاني قيل لهم القول في حدوث الحادث الأول كالقول في حدوث الحادث الثاني فالحادث الأول الذي هو شرط الثاني لا يجوز أن يكون صادرا عن علة تامة أزلية بل لا تكون العلة التامة له إلا حادثة سواء كان الحادث كلها أو بعض أجزائها وشروطها وهذا مما يعترفون به مع أنه حق بين فحينئذ لا يكون لشيء من الحوادث علة تامة أزلية فإذا كان المبدأ الأول الذي هو صانع العالم علة تامة أزلية وليس لشيء من الحوادث عالة تامة أزلية لم يكن شيء من الحوادث صدر عنه فلا يكون لشيء من الحوادث فاعل ولا محدث وهذا غاية الجهل والتعطيل والسفسطة وهم يعترفون بفساده فإذا قالوا هذا الحادث المعين اليومي إنما تمت شروط
1 / 19