هل هذه الطريقة التي يراها بها؛ كشخص يفكر دوما في تنظيف المنازل؟ المكنسة الكهربائية قديمة جدا، على أي حال.
تقول: «أراهن أنني أعلم ماذا قال برنت عندما أخبرته أنني سأكون مسئولة عن بيع كل ذلك ... أراهن أنه قال: «هل ستستعين بمحام لمراجعة ما تقوم به؟» قال ذلك! أليس كذلك؟»
يقول أوستن بدلا من الإجابة على ذلك: «لماذا أثق في أي محام أكثر مما أثق بك؟» «هل هذا هو ما قلته له؟» «أقول هذا لك. أرى أن المرء إما أن يثق في شخص أو لا يثق به. عندما تقرر أنك ستثق في أحد، يجب أن تستمر في هذا إلى النهاية.»
لا يذكر أوستن الرب إلا نادرا. في المقابل، يشعر المرء أن طيف الرب يحوم حول جمل كهذه، وهو ما يجعل المرء يشعر بعدم الارتياح على الإطلاق - تشعر كارين وكأن ظهرها يتكسر - حتى إنه يتمنى أن يقولها أوستن ويتم تجاوز الأمر. •••
منذ أربع سنوات، كانت كارين وبرنت لا يزالان متزوجين، ولم يكونا قد أنجبا الطفل بعد أو انتقلا إلى مسكنهما فوق متجر الأدوات. كانا يعيشان في المجزر القديم. كان ذلك بيتا صغيرا رخيصا يمتلكه موريس فوردايس، والذي كان عبارة - في وقت من الأوقات - عن مجزر. في الطقس الممطر، كانت كارين تشم رائحة خنازير، وكانت دوما تشم رائحة أخرى كانت تعتقد أنها رائحة دماء. كان برنت يتشمم الجدران ثم يهبط بأنفه ويتشمم الأرضية، لكنه لم يكن يشم ما كانت تشمه. كيف يمكن أن يشم أي شيء غير سحب نفسه المخمورة التي كانت تتصاعد من جوفه؟! كان برنت سكيرا آنذاك، لكن لم يكن معاقرا للخمر بحيث يهمل كل شيء في حياته. كان يلعب الهوكي في فريق أو تي (الذي يتكون من لاعبين فوق سن الثلاثين) - كان أكبر سنا من كارين - وكان يزعم أنه لم يلعب الهوكي قط إلا وهو مخمور. عمل في شركة فوردايس للإنشاءات لفترة، ثم عمل لدى مجلس المدينة، يقطع الأشجار. كان يحتسي الخمر أثناء عمله متى استطاع، وبعد الانتهاء من العمل كان يشرب الخمر في نادي فيش آند جيم أو في حانة نزل جين هيفن، المسماة جريزي هيفن. في إحدى الليالي، قام بقيادة إحد البلدوزرات، الذي كان قابعا خارج جريزي هيفن، واتجه به عبر المدينة إلى نادي فيش آند جيم. بالطبع، جرى القبض عليه، واتهامه بتهمة قيادة بلدوزر تحت تأثير الكحول، وصار الأمر مزحة كبرى تم تداولها في أنحاء المدينة. لم يأت أحد ممن ضحك على المزحة لكي يدفع عنه الغرامة. وهكذا صار برنت أكثر جموحا في تصرفاته. في ليلة أخرى، انتزع السلالم التي كانت تفضي إلى بيتهما. لم ينتزع السلالم بصورة عنيفة في إحدى نوبات الغضب العارم، بل نزعها بعناية وبطريقة منهجية، السلالم والدعائم، الواحدة تلو الأخرى، داعما السلالم السفلية أثناء نزعه السلالم وتاركا كارين تقذف بأقذع الشتائم في الأعلى. في البداية، كانت تضحك على ما فعل - كانت قد تناولت بعض أقداح الجعة آنذاك - ثم، عندما أدركت أنه ماض فيما يفعل في عزم وحماس، وأنها عالقة هناك، بدأت في قذفه بالشتائم. شاهد الجيران الجبناء خلسة ما حدث من أبواب بيوتهم التي توجد في مقابل بيت برنت.
جاء برنت عصر اليوم التالي وأصيب بالدهشة، أو تظاهر بذلك. وصرخ قائلا: «ماذا حدث للسلالم؟» كان يسير في المدخل في غضب عارم، كان وجهه المجعد، المتعب، المستثار، يختلج، وكانت عيناه الزرقاوان تطرفان، وكانت ابتسامته بريئة، متواطئة. «لعن الله موريس ذلك! لعن الله السلالم المتهالكة. سأقاضيه. اللعنة!» كانت كارين في الأعلى بلا أي طعام تأكله سوى لفافة من حبوب «رايس كريسبيز» دون لبن، وعلبة فاصوليا صفراء. كانت تفكر في مهاتفة أحد حتى يأتي بسلم، لكنها كانت في شدة الغضب والعناد. إذا أراد برنت أن يجعلها تتضور جوعا، فستريه. ستتضور جوعا.
ذلك الوقت كان بحق بداية النهاية؛ التغيير. ذهب برنت ليرى موريس فوردايس حتى يضربه ويخبره كيف سيقاضيه، وتحدث إليه موريس بطريقة متعقلة، راشدة حتى قرر برنت ألا يقاضي موريس أو يضربه بل أن ينتحر. هاتف موريس أوستن كوبت آنذاك؛ حيث إن أوستن كان معروفا عنه أنه يعرف كيف يتعامل مع الأشخاص الذين كانوا يسيرون في طريق اللاعودة. بينما لم يقنع أوستن برنت آنذاك بالإقلاع عن شرب الخمر، أو بالانضمام إلى الكنيسة، أقنعه بعدم الانتحار. ثم - بعد عامين عندما توفي الطفل - كان أوستن هو القس الوحيد الذي كانوا يعرفونه الذي يمكنهم استدعاؤه للقيام بمراسم الجنازة. لدى وصوله إليهم - للقيام بمراسم الجنازة - كان برنت قد شرب كل ما في المنزل من خمر وخرج يبحث عن المزيد. خرج أوستن في إثره وقضى الأيام الخمسة التالية - باستثناء وقت قصير قضاه في دفن الطفل - بصحبة برنت وهو يشرب. ثم قضى الأسبوع التالي يحاول إخراجه من حالة السكر البين هذه، وقضى الشهر التالي يتحدث إليه أو يجلس معه، حتى قرر برنت ألا يعاود الشراب، وأنه قد أقام صلة بينه وبين الرب. قال أوستن: إن برنت كان يعني بذلك أنه أدرك المعنى الحقيقي لوجوده في هذه الحياة وأدرك أيضا قوة ذاته الداخلية. قال برنت إنه لم يكن سببا ولو للحظة في إيابه إلى رشده؛ بل الرب.
ذهبت كارين إلى كنيسة أوستن بصحبة برنت لفترة؛ لم تكن تمانع في ذلك. رغم ذلك، كانت ترى أن ذلك لم يكن كافيا لاحتواء برنت. رأته يهب واقفا لينشد المزامير، مؤرجحا ذراعيه وضاما قبضتيه، جسده كله مبرمج. كان يمر بالحالة ذاتها مثلما كان بعد احتساء ثلاثة أو أربعة أقداح من الجعة عندما لم يكن هناك ما يمنعه من شرب المزيد. كان ينفجر. وسرعان ما انفلت من قبضة أوستن واستحوذ على جزء غير يسير من الكنيسة. كان كثير من الناس يرغبون في ذلك التحرر، ضوضاء أكثر وصلاة أكثر وغناء أكثر وليس الحديث المقنع الهادئ؛ كانوا يرغبون في ذلك منذ فترة طويلة.
لم يدهشها أي من ذلك. لم يدهشها أن برنت تعلم تقديم الأوراق بشكل محترف وترك الانطباع الصحيح والحصول على التمويل الحكومي؛ لم يدهشها أنه تولى إدارة دار الإصلاح، التي كان أوستن قد أدخله فيها، وطرد أوستن منها. كان برنت دوما منبعا للاحتمالات. لم يدهشها حقا غضبه الشديد منها الآن لاحتسائها قدحا من الجعة وتدخين سيجارة واحدة مثلما لم يكن يدهشها ما كان يفعله معها عندما أرادت التوقف عن إقامة الحفلات والذهاب إلى الفراش في الساعة الثانية. قال لها إنه يمهلها أسبوعا حتى تقرر. لا مزيد من الشراب، لا مزيد من التدخين، والمسيح مخلصها. أسبوع واحد. لم تأبه كارين بالأمر. بعد انفصالها عن برنت، أقلعت عن التدخين، وأقلعت تقريبا عن الشراب، وتوقفت أيضا عن الذهاب إلى كنيسة أوستن. تخلت عن كل شيء تقريبا، لكنها لم تتخل عن الضغينة الداخلية التي أصبحت تكنها لبرنت، التي كانت تنمو أكثر فأكثر. ذات يوم، استوقفها أوستن في الشارع وظنت أنه سيقول شيئا لطيفا، شخصيا، مؤنبا لها، لضغينتها أو لتركها الكنيسة، لكن كان كل ما فعله هو سؤالها أن تأتي لتساعده في العناية بزوجته، التي كانت عائدة إلى المنزل من المستشفى ذلك الأسبوع. •••
يتحدث أوستن في الهاتف إلى ابنته في مونتريال؛ اسمها ميجان، تبلغ من العمر ثلاثين عاما تقريبا، غير متزوجة، وتعمل كمنتجة تليفزيونية.
Halaman tidak diketahui