أجلس في قاع النوم،
كأنني في قاع البحر.
ومواطنون رائعون من الأعماق
يحيونني في لطف.
بمجرد رحيل جارفيس بولتر وسماعها صوت إغلاق البوابة الأمامية لمنزلها، تهرع ألميدا إلى الحمام، لكن لا تكتمل راحتها، وتدرك أن الألم والاحتقان في الجزء السفلي من جسدها يأتيان من تراكم دماء الحيض الذي لم تبدأ في التدفق بعد. تغلق الباب الخلفي وتحكم إغلاقه. ثم، متذكرة كلمات جارفيس بولتر عن الكنيسة، تكتب على قطعة ورق: «لست على ما يرام، وأرغب في أن أستريح اليوم.» تلصق الورقة جيدا في الإطار الخارجي للنافذة الصغيرة في الباب الأمامي. تحكم إغلاق هذا الباب أيضا. ترتعش كما لو كان ذلك جراء صدمة أو خطر عظيم. مع ذلك، توقد نارا حتى تصنع شايا. تغلي الماء، تأخذ كمية من أوراق الشاي، وتصنع قدرا كبيرا من الشاي، الذي يصيبها بخاره ورائحته بالغثيان أكثر. تصب فنجانا بينما لا يزال الشاي خفيفا، وتضيف عدة قطرات من الدواء المهدئ للأعصاب. تجلس لتتناول الشاي دون فتح ستائر المطبخ. هناك وسط الأرض يوجد كيس الجيلي معلقا على عصا المقشة بين ظهري مقعدين. بقعت ثمار وعصير الكرم القماش المنتفخ باللون البنفسجي الداكن. يقطر العصير - «بلوب بلاب» - في الحوض بالأسفل. لا تستطيع أن تجلس وتنظر إلى شيء كهذا. تأخذ فنجانها، قدر الشاي، وزجاجة الدواء إلى غرفة الطعام.
لا تزال تجلس هناك عندما بدأت الجياد في المرور في طريقها إلى الكنيسة، مثيرة سحبا من الغبار. ستصبح الطرق ساخنة كالرماد. تظل في مكانها عندما تفتح البوابة ويتناهى إلى سمعها وقع خطوات رجل واثق في الشرفة. سمعها حاد جدا إلى درجة أنها تستطيع سماع صوت الورقة تنزع من الإطار وتفتح، تكاد تسمعه يقرؤها، تسمع الكلمات تدور في رأسه. ثم تمضي الخطوات في الاتجاه المعاكس، أسفل الدرج. تغلق البوابة. ترد إلى ذهنها صورة شواهد قبور، ما يجعلها تضحك. تسير شواهد القبور في الشارع على أقدامها الصغيرة المنتعلة، أجسادها الطويلة منحنية إلى الأمام، تعبيراتها تبدو عليها أمارات الانشغال والقسوة. تقرع أجراس الكنائس.
ثم تدق الساعة في قاعة الكنيسة معلنة الثانية عشرة، وهكذا تمر ساعة.
يزداد المنزل حرارة. تشرب المزيد من الشاي وتضيف إليه المزيد من الدواء. تعرف أن الدواء يؤثر عليها، مسئول عن كسلها غير العادي، عدم قدرتها على الحركة، استسلامها دون أي مقاومة لبيئتها المحيطة. هذا حسن. يبدو ضروريا.
بيئتها المحيطة - جانب من بيئتها المحيطة - في غرفة الطعام تتمثل في الآتي: جدران مغطاة بورق حائط مزخرف لونه أخضر داكن، ستائر ذات شرائط وستائر قطيفة أرجوانية داكنة تغطي النوافذ، مائدة عليها مفرش كروشيه وطبق من فواكه مغطاة بمادة شمعية، بساط رمادي مائل إلى اللون الوردي تزينه باقات ورد زرقاء ووردية، وبوفيه عليه مفارش مزدانة ويشتمل على أطباق ودوارق مزركشة ومستلزمات شاي فضية. أشياء كثيرة يمكن مشاهدتها. تبدو الزخارف مفعمة بالحياة، وكل واحدة من هذه الأشياء في حالة حركة وتدفق وتغير. أو ربما انفجار. تنشغل ألميدا روث خلال اليوم بمراقبتها، لا منعها من التغير بل مشاهدتها وهي تتغير، حتى تفهم التغير، حتى تكون جزءا منه. تجري أمور كثيرة في هذه الغرفة بما لا يدع مجالا لمغادرتها. لا ترد لها حتى فكرة مغادرتها.
بالطبع، لا تستطيع ألميدا من خلال ملاحظاتها الفكاك من الكلمات. تظن أنها تستطيع، لكنها لا تقدر على ذلك. سرعان ما يوحي هذا التوهج والتمدد بكلمات، لا كلمات محددة بل فيض من الكلمات في مكان ما، توشك أن تفصح عن نفسها لها. بل قصائد. نعم، مرة أخرى، قصائد. أو قصيدة واحدة. أليس هذا هو بيت القصيد، قصيدة واحدة عظيمة تتضمن كل شيء ومن ثم، آه، تجعل جميع القصائد الأخرى - القصائد التي كتبتها - غير مترابطة، مجرد محاولة وخطأ، مجرد حطام؟ نجوم وزهور وطيور وأشجار وملائكة في الثلوج وأطفال ميتون عند الشفق، هذا لا يمثل حتى نصف القصيدة. يجب الإيغال في الجلبة القذرة في شارع بيرل والطرف المصقول لحذاء جارفيس بولتر وعجزه الذي يشبه عجز دجاجة مقطعة في لباسه الأسود المائل إلى الزرقة. لقد ابتعدت ألميدا الآن كل البعد عن المشاركات الوجدانية الإنسانية، أو مشاعر الخوف، أو الأمور المنزلية الحميمية. لا تفكر فيما قد يجري بالنسبة إلى تلك المرأة، أو في الحفاظ على سخونة عشاء جارفيس بولتر وتعليق ملابسه الداخلية الطويلة على حبل الغسيل. فاض حوض عصير الكرم وسال العصير فوق أرضية المطبخ، مبقعا ألواح الأرضية، ولن تزول البقعة أبدا.
Halaman tidak diketahui