Saad Dalam Kehidupan Pribadinya
سعد في حياته الخاصة
Genre-genre
وفي الساعة التاسعة اجتمع الأطباء للتشاور في حالة الرئيس الجليل، وفي أثناء اجتماعهم هبط نبض دولته فجأة، وكان حتى تلك الساعة يسير سيرا عاديا طبيعيا، فأسرع إليه الدكتور شفيق فألفاه في دور النزع الأخير، فأرسل من وافى فتح الله باشا في مكتب الرئيس حيث كنا جالسين، ودعاه إلى جانب سرير خاله العظيم، فنهض معاليه وغادرنا ممتقعا امتقاعا شديدا، وتبعه نجله الأكبر بهي الدين بك بركات وقد اصطبغ وجهه بصفرة الأموات، ومكثنا نحن في المكتب ننتظر وقد توجسنا شرا من استدعاء فتح الله باشا إلى جوار المريض، ولكن ما من واحد منا تجرأ في تلك اللحظة على الاستفسار عما آلت إليه حالة سعد، كأن كل واحد من الحاضرين كان يتوقع النبأ الأليم ويحاول إبعاده عن سمعه، أو على الأقل يحاول أن يكون آخر من ينطق به لسانه.
وفي نحو الساعة العاشرة أسلم الفقيد العظيم روحه الطاهرة إلى خالقها، ولكننا لبثنا نجهل النبأ المشئوم دقائق برمتها، وفي تمام الساعة العاشرة عاد فتح الله باشا إلى مكتب الرئيس وقد ازداد امتقاع وجهه ولكنه لم ينبس ببنت شفة، بل سار إلى وسط القاعة، ثم وقف هناك لا يتفوه بكلمة ولا يأتي حركة كأنه صعق في مكانه، فتطلع إليها الحاضرون متسائلين حيارى، فلم يتحرك، وفي تلك اللحظة سمعنا صوت بكاء آتيا من الشرفة الخارجية، فضرب فتح الله باشا ركبتيه بيديه، فوجم الحاضرون وأدركوا في الحال ما كانوا يتساءلون عنه؛ فاغرورقت العيون بالدموع، وارتفعت أصوات البكاء والنحيب من كل حدب وصوب، وفي أقل من لحظة تحول ذلك السكون الشامل إلى مناحة، وانقلب ذلك المجلس الهادئ إلى مأتم ... مأتم سعد! مأتم الوطن!
وخشيت على فخري بك عبد النور من شدة بكائه ونحيبه؛ نظرا لبدانة جسمه، وكنت كلما أبصرت به يتقلب على مقعده وهو ينتحب وقد صعد الدم إلى وجهه، أحاول عبثا أن أهدئ من روعه، وفي وسط هذا العويل والنحيب أقبل علينا الدكتور شفيق مسرعا كالبرق الخاطف وصاح في الحاضرين قائلا: «رأفة يا رجال بحرم سعد ... خففوا من نحيبكم رأفة بصحتها وشدة حزنها ... لا تسمعوها أصوات بكائكم، بل ساعدوها على تحمل مصابها بصبركم وتجلدكم ... كونوا رجالا ولا تبكوا ... إن البكاء لا ينفع الرجال بل ضعوا ذكرى سعد نصب أعينكم ... اتخذوها مثالا لكم فتكون خير معز للوطن في هذه المحنة ... لا تبكوا سعدا ... إن سعدا لا يريد منكم أن تبكوا عليه، بل يريد أن تقتفوا خطواته في الدفاع عن قضية البلاد.» وانصرف حضرته عائدا إلى الطابق العلوي ليكون في خدمة أم المصريين.
وكانت شرفات بيت الأمة ومداخله غاصة بجموع المحتشدين، فسرى بينهم النبأ المشئوم كأنه تيار كهربائي أهاج عواطفهم وشعورهم، فكان بكاء وكان نحيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهنا أخذ الصحفيون يقبلون تباعا، فأخبرهم الأستاذ النقراشي أن عبارة «أنا انتهيت» كانت آخر ما تلفظ به الرئيس الجليل قبل غيابه عن الصواب في صباح ذلك اليوم. •••
وكلف معالي فتح الله بركات باشا الأستاذ الجزيري أن ينعى الفقيد العظيم إلى دولة توفيق نسيم باشا رئيس الديوان العالي، فخاطبه حضرته في داره بالتلفون الموضوع على مكتب الرئيس في القاعة التي كنا مجتمعين فيها، فرد عليه دولته بنفسه، فقال له الأستاذ الجزيري: «أنا الجزيري يا افندم ...» وهنا خنقته العبرات فسكت قليلا ثم قال: «البقية في حياتكم يا باشا.» فلم يكد الحاضرون يسمعون هذه العبارة حتى ارتفعت الصيحات المتقطعة من أفئدتهم المتصدعة المكلومة، وما هي إلا فترة وجيزة حتى أقبل توفيق نسيم باشا مرتديا ثوبا قاتما وتقدم بالعزاء إلى فتح الله بركات باشا وإلى زميله أحمد خشبة باشا.
وكان معالي جعفر ولي باشا يقوم يومئذ مقام وزير الداخلية، فلما بلغه وهو في الإسكندرية خبر تفاقم حالة الرئيس الجليل ، غادرها بالقطار الذي يبرحها الساعة السابعة مساء، فوصل إلى العاصمة الساعة العاشرة والثلث، فركب سيارته وتوجه من المحطة إلى بيت الأمة مباشرة ليستفسر عن صحة الزعيم الأكبر، فما كاد يبلغه حتى سمع أصوات البكاء والنحيب، فأدرك أن المنية أنشبت أظفارها في رمز أماني الأمة وموضع ثقتها ورجائها، فتقدم بدوره معزيا فتح الله باشا، وانضم إلى زملائه في إعداد برنامج تشييع جنازة الفقيد العظيم بعدما خاطب معالي أحمد زكي أبو السعود باشا بالتلفون في الإسكندرية وطلب منه أن ينعى الراحل الكريم إلى ثروت باشا تلغرافيا، وأن يحضر هو إلى العاصمة بقطار نصف الليل.
23 أغسطس سنة 1927!
يا له من يوم مشئوم! ...
Halaman tidak diketahui