باقتراب منها ولا الجنس جنسي
ويجب ألا ننسى هنا أن العناية بالآثار، وذكريات التاريخ، لم تكن شائعة في عصر البحتري شيوعها في عصرنا هذا، بعد أن ظهرت الآثار القديمة، واشتغل المنقبون عنها في كل مظنة، فليس البحتري هنا مأخوذا بزي العصر وأحاديث الأوان، كما يغلب على الذين يتشاغلون بالآثار في هذا الزمان، ولكنه مبتكر ينشئ زيا جديدا لم يسبقه في معناه سابقوه، وليس تمليق الأمراء من الفرس هو حافزه إلى النظم، فإن الأسى في القصيدة أظهر من أن يعزى إلى التصنع والرياء، والتمليق بالمدح في زمانه أجدى من التمليق بوصف الآثار واستشهاد التاريخ، وهو لم يستطرد إلى مدح مطول، ولم يتجاوز التلميح في الإشارة إلى أولئك الأمراء، فلا شيء إلا «الإحساس الفني» حدا بالشاعر إلى نظم قصيدته والإطالة فيها، ولا وحي إلا وحي الشاعرية في صميمها أنطق العربي المسلم بالعبرة على أطلال الفرس المجوس، وهذا هو «الموقف» الذي ينساه الناقدون المقلدون، كلما نقدوا الشعر وتذوقوا الكلام؛ لأنهم لا يذوقون حديث نفس يعينهم أن يعرفوا منها في أي المواقف كانت وفي أي البواعث جاشت بالشعور، وإنما يتلقفون ألفاظا لا صلة بينها وبين الضمائر، ولا ميزان لها غير النحو والصرف والبديع والبيان، مع أن «الموقف» في القصيدة هو باعثها الأول وغايتها الأخيرة، ولا نجاح للشاعر إذا هو لم ينجح في نقلنا معه إلى ذلك الموقف الذي كان فيه، وإشراكنا في نظرته التي نظر بها حين توفر للإبانة والإنشاد. إذا علمت هذا فقابل بين شاعرية البحتري في موقفه على الإيوان، وشاعرية التقليد في موقف شوقي على آثار الأندلس أو آثار مصر، وقابل بين أسى البحتري في قوله:
حلم مطبق على الشك عيني
أم أمان غيرن ظني وحدسي
وكأن الإيوان من عجب الصن
عة جوب في جنب أرعن جلس
يتظنى من الكآبة إذ يب
دو لعيني مصبح أو ممسي
مزعجا بالفراق عن أنس إلف
عز أو مرهقا بتطليق عرس
Halaman tidak diketahui